كتب الأستاذ المصطفى محمدن العالم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين،
وبعد فإنه مما لا شك فيه ولا ريب أن تناوُل السيد: المشار إليه ب X ould Y للجانب الفقهي والأدبي والأخلاقي من النازلة التندغية بين أهل أبابك وأهل آبيري، تحرى فيه الصدق والدقة والموضوعية ووُفق في ذلك وأجاد فيه وأفاد كعادته ما شاء الله لا قوة إلا بالله، بارك الله فينا وفيه.
ومن الطبيعي في هذا النوع من النزاعات والنوازل أن تختلف الروايات حول الأسباب والوقائع، ويروي كل أحد ما وصل إليه، أحرى مع تقادم الزمن وشُح المراجع المكتوبة الموثَّقة المُحايدة.
ولا شك أن المعرفة الدقيقة للظروف التي تكتنف الأحداث والوقائع مُعينةٌ على فهمها.
ومن المعلوم أن تندغة الغربية كانت تتنافس فيها مجموعتان رئيسيتان على النفوذ، هما: مجموعة اركاكنه  برئاسة أهل مختار الله، ومجموعة إدگفوديه برئاسة أهل اعمراگد بيجه، وكانت كفة اركاكنه أرجح في بداية الأمر، إلا أنه في أول ووسط ظهور العلامة الولي الصالح الشريف: لمرابط محمذن فال بن متالي، بدأت الكفة تميل لصالح إدگفوديه شيئا فشيئا، لينتقل الأمر من الاستقطاب والمنافسة الصامتة إلى المنافسة المعلنة والمشادات الكلامية، وفي خضم هذه المرحلة وقعت مشادات كلامية بين أفراد من أهل أبابك وأفراد من أهل آبيري ليس فيها ضرب ولا نهب، إلا أنها في مرحلة من مراحلها أحفظت أفرادا من أهل آبيري، فذهبت جماعة منهم إلى خمسة رجال من أهل أبابك كانوا يُشرفون على حفر بئر لهم في موضع اسمه: "المُنجاع" في منطقة "الْعَرْيَ"، يحفره لهم أحد مواليهم، وفي طريقهم إليهم لقوا شابا من أهل أبابك اسمه أحمدُّو بن النَّهَ ذاهبا إلى المحظرة فضربوه حتى مات رحمه الله، ثم قدموا إلى الجماعة المشرفة على الحفر فوجدوهم في أثناء العمل والمولى وسط البئر، فاشتبكوا معهم فكانت النتيجة وجود جراحات في الطرفين، إلا أن الضرر كان أشد بكثير في أهل أبابك بحُكم قلة عددهم، وعدم استعدادهم وبُعد نجدتهم، حيث كان جُل الموجود منهم آن ذاك في ضواحي "تيرس"، لكن الخبر طار إليهم بسرعة فجاءوا.
 ورغم أن سيد احمد بن ألمين بن أحمد الأبابكي مشهور بالنجدة والشهامة والإباء، وهو سيد عشيرته ووالد ثلاثة من الجرحى وعم القتيل والجريحين الآخرين، إلا أن هذه الأمور لم تُفقده ما هو مشهور به من التوازن والتؤدة والحكمة وجودة الرأي وبُعد النظر والوقوف عند حدود الشرع، فقد قرر التريُّث والتأني ومشاورة أهل الرأي والعلم والصلاح الورعين الناصحين، فوقع اختيار ه على العالم العلامة الولي الصالح الناصح الشريف: لمرابط : محمذن فال بن متالي، فقدم إليه عند "اطويله"، واستشاره، فقال له: "أنزل علي أداوي لك ما عندك من الجرحى، وأساعدك في أخذ حقك"، أو كما قال، فاستصوب رأيه وفعل ما قال له.
 فاعتبر أهل آبيري ذلك انحيازا من أحد قطبي المنافسة لصالح أهل أبابك، فانحازوا إلى  القطب الثاني : اركاكنه، بحكم روابط اجتماعية بينهم وبحكم موقف أهل مختار الله من أهل اعمر أگدبيجه آن ذاك، فبدأ لمرابط بن متالي جهوده في الصلح، وبعد أخذ ورد ونقاشات طويلة، ومضاعفة جهود منه قَبِلَ أهل أبابك بالصلح، فعُقد الصلح على أن يدفع أهل آبيري دية القتيل لأهل أبابك، وكتب لمرابط نسختين من وثيقة الصلح، عليهما توقيعات الطرفين، فلم يرضى أهل مختار الله بهذا الصلح ربما لأكثر من سبب، وفي النهاية امتنع أهل آبيري من دفع الدية، مما أحفظ أهل أبابك وأهل اعمرأگدبيجه، لكن وبضغط قوي من لمرابط  مكث الجميع نحو سنة وكِسْرٍ في مناقشات ومُراسلات بُذلت فيها جهود كبيرة للوصول إلى حل تُؤدى فيه الحقوقُ ويُجنَّب فيه الاصطدام، إلا أن تلك الجهود لم تُفلح.
 فبدأت المناوشات والغارات المتبادلة، وجرت في ذلك أيام ووقائع معروفة قُتل فيها ابن السالم بن الفاروق من أهل اعمرأگدبيجه رحمه الله، وقَتل محمذن بن سيد احمد محمود فال بن اعبيدي بن احمدتك  من أهل آبيري رحمه الله، فأما ابن السالم فلم تتفق الروايات على تعيين قاتله، لكن تعيينه شهد عليه بالسماع الفاشي شهود صحت عدالتهم عند القاضي محنض بابه بن اعبيد فحكم على المشهود عليه بالقصاص، وأيد الحكم لمرابط محمذن فال بن متالي، فتصدى لهما: العالم الشريف  محمد لولي بن عبد الله (اليعقوبْ) من أهل بوحبيني، وجرت بينه معهما مراسلات ومناقشات طويلة اتسمت في بعض جوانبها بالحدة وتبادل الاتهامات، وآل الأمر فيها إلى عدم تنفيذ ذلك الحكم. 
 أما مسألة محمذن بن سيد احمد فإن أهل آبيري استظهروا بوثيقة الصلح في القتيل الأول وأظهروا استعدادهم لدفع تلك الدية، وطالبوا بالقصاص من محمذن بن سيد احمد، فحكم لهم القاضي محنض بابه بن اعبيد بالقصاص، فناقشه لمرابط محمذن فال بن متالي بهدوء وحكمة وقال له: إن محمذن بن سيد احمد لا يتناوله قصاص في الدنيا ولا عموم وعيد في العقبى لأنه عدل عن آلة تصمي عادة إلى آلة لا تصمي عادة، ولأنه من أولياء دم القتيل، ولأن المُصالَحَ عن دم العمد إن مُنع الصلح فله أن يقاتل عليه، ولأنه لم يفعل إلا مكروها وهو القتل دون إذن السلطان، فرجع محنض بابه عن حكمه، وأيد رجوعه بابه بن أحمد بيبه العلوي، فانتهت المشكلة بين أهل أبابك وأهل آبيري بتكافؤ الدماء بينهما.
ومع أن المراسلات والمناقشات الحادة التي جرت بين ابن متالي والقاضي محنض بابه من جهة، وبين محمد لولي بن عبد الله (اليعقوبْ) من جهة  أخرى إنما كانت خاصة بنازلة ابن السالم، ولم يرد فيها ذكر ابن سيد احمد إلا في لفظين عابرين لابن لولي يخاطب بهما لمرابط، ومحنض بابه، إلا أن نازلة محمذن بن سيد احمد طغت شُهرتُها على النازلة الأخرى بسبب خروجها عن مشهور المذهب المالكي فيما يتعلق بمسألة الخطإ شبه العمد.
ومن أدبيات هذا النزاع العامة أن جو التقدير والمحبة والاحترام المتبادل الذي كان قائما بين كافة أطراف النزاع، ظل قائما أثناء وبعد تلك النزاعات.
 ومن أدبياته الخاصة أن جماعة من أهل مختار الله وأهل آبيري مروا أثناء تلك الوقائع بحي من الجانب الآخر فوجدوا غلاما من أبناء سيد احمد فظنوا أنه مولى لسُمرة فيه، فذهبوا به، فلما علمت والدته بذلك حزنت عليه، فقال لها سيد احمد:
لن يلحقه سوء سيردوه إليك مكرما عندما يعرفونه، فكان الأمر كما قال، حيث عرفه سيدُ أهل آبيري آن ذاك: أحمد محمود بن عبدالله فرده معززا مكرما مصحوبا بهدية.
ومن أدبياتها الخاصة أيضا أن المودة والعلاقات الاجتماعية البينية التي كانت قائمة بين أهل أبابك وأهل آبيري ظلت قائمة أثناء وبعد تلك الأمور بحيث أنه لا تكاد تمر فترة من الزمن إلا وكريمات كل طرف موجودات عند الطرف الآخر.
 وكذلك العلاقة الطيبة التي كانت قائمة بين أهل آبيري وإدگفوديه وخاصة لمرابط محمذن فال بن متالي ظلت هي الأخرى قائمة تتعزز، وكذلك العلاقة الطيبة الخاصة التي بناها التاريخ بين أهل أبابك وخاصة محمذن بن سيد احمد وبين المدلش  بمن فيهم اركاكنه، ظلت هي الأخرى قائمة تتعزز.
مع كامل الود والتقدير للجميع.  المصطفى/ محمدن/ العالم.

اكتب تعليقاً

أحدث أقدم