قراءات و وقفات موضوعية مع "المحنة التندغية"

محمودا بن أحمد سالك


(رواية الأغلبية العظمى من أهل أبابك)

#الصدى

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
طالعت ما كتبه إخوتي الأفاضل في النازلة التندغية
وليس على ما تجشموا عناء بيانه مزيد ، وما أنا لتكراره بمريد ، إلا أمورا أفيد غير ما ذكر فيها لمستفيد ، وأخرى أزيد شرحها وبيانها لمستزيد ، وقصدي أولا وأخيرا صحيح ، وإن اقتضى المقام في بعض الوقفات بعض التصحيح أو التوضيح أو الترجيح..

لقد سبق الإخوان قبلي و احتوى
جميعُ الذي ساقوه ما لذ محتوى
فـ(إكس) العلا فالمصطفى فسميه
إلي سيد بعد الدين قد رفعوا اللوا
(وما لي) إلى (ذاك المقام) تسلق
و إني من الأعلام (أضعف مستوى)
وقد أحرزوا شأو الريادة كلهم
تباين ما يروون طورا أو استوى
أفادوا .. أجادوا .. غير أن صُبابة
أدُبُّ إليها كالرضيع بلا قوى
و فوق النوايا يجتني الخير مصلح
و تختلف النيات .. كل و ما نوى

وليس يستحق النظر أو التأمل كلُّ ما تحويه جلُّ الطروس ، غير أنه إذا كتب الجهابذة أو تكلموا فـ"لا مخبأ لعطر بعد عروس".

وقبل الدخول إلى صلب الموضوع أنبه إلى أمور:
أولا : شيخنا الفاضل الدين بن بباه الرجل الصالح العالم العلم العدل الرضى لا يمكن أن نعامله إلا بكل احترام وتوقير

حياءٌ يغضّ الطرف إلاّ عن العلا
وعرضٌ كماء المزن في الحزن بل أنقى
وفضلٌ نمير الماء قد خضّل الربا
و "علم" منير النّجم قد نوّر الأُفقا
"به بلغ القوم" الأمانيّ كلّها
فما بقيت أُمنيّةٌ غير أن يبقى

نسأل الله تعالى أن يمد في عمره في صحة وعافية ويسر وتمام نعمة
فسبيلنا توقيره واحترامه .. لا يشوش على ذلك إذا ناقشناه أولم نسلم بعض ما طرحه مما يخالف ما عندنا
مع أننا نعرف أن مكانته العلمية والاجتماعية المرموقة تمنع حمل كلامنا على غير وجوهه المقبولة
ثانيا : إخوتنا وأخوالنا أبناء بناتنا آل آبيري الغر الكرام قوم أفاضل أماجد قديما وحديثا ويعرف ذلك فيهم وعنهم القاصي والداني ، فلا معنى أن يروم أي كان النيل منهم أو التنقيص ، ولمن رام ذلك حري أن يقال:

هم النفر البيض الذين وجوههم
تروق فتستشفي بها الأعين الرمد
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم
من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

ولن تستطيعوا ، لا في العلم ولا في المجد ، ولا في الأخلاق ، ولا في الكرم ، ولا في الجدوى والنفع العام على البلد برمته.
وعلاقتنا بهم أقوى وأعمق مما يؤثر شياطين الإنس والجن فيه بشكل سلبي ، وسوف نخصص لها وللكلام عن بعض مجدهم التليد العصي على العد والحصر عنوانا خاصا إن شاء الله.
وبالنسبة لي ولمن على شاكلتي فتوقيرهم وإكبارهم والرفع من شأنهم ، جزء من التكوين الشخصي منذ الصغر ، فهو بالنسبة لنا بر آباء وأمهات وصلة أرحام يثيب عليه ربنا تبارك وتعالى ويكافئ بالحسنى، كما أنه الواجب شرعا وعرفا
ثالثا : لا نرى أن الالتزام بهذا المنهج - (النقطتين السابقتين) - بل والمبالغة في الالتزام به يمنع النقاش في موضوع شمل عدة أطراف من تندغة وخصنا في إحدى صفحاته وبعض تداعياته ومنعرجاته .. ولا يمكن أن يناقشه باحث دون ذكر اسم أبينا الجامع أو بعض آبائنا الأعلام الآخرين أوبني عمومتنا أو قوم آخرين من ذوي أرحامنا ربطتنا بهم علاقات الأرحام والجوار والنصرة المتبادلة في المواقف والاحترام المتبادل فلا نرى بيان وتوضيح جزء مما عندنا إلا أمرا عاديا بل مطلوبا.
على أنه من المسلمات أن صحة مرويات أي طرف إنما هي صحة نسبية ، بمعنى أنها صحيحة عنده مطلقا ضعيفة عند غيره مطلقا فلا جدال.
رابعا : لا تتعلق بهذا النوع من الأبحاث مصالح كبيرة عاجلة ولا آجلة .. بحيث تسوغ انتهاك الأعراض ، أو ارتكاب المحظروات ، أو اقتراف المحرمات ، بل ولا حتى الخروج عن جو السكينة والوقار والأدب ، و مسؤولية الإنسان أمام ربه تبارك وتعالى في النهاية مسؤولية فردية لا يسعفه فيها اتهام فلان ولا الإشادة بعلان ، غير أن التاريخ تاريخ مروي في أغلبه ، ومنه ما هو مكتوب ، والمكتوب منه منظوم ومنه منثور ، ولا يمكن تجاهل كل ذلك أو تبديله ، وهذه الحادثة التي يتكلم فيها الناس هذه الأيام كتب فيها وأفتى علماء ، وحكم قضاة ، وأنشأ وأنشد شعراء ، ودون كتاب ومؤرخون وباحثون ، وقد كتب فيها العلامة لمرابط محمذن فال بن متالي وحده أكثر من عشر رسائل.
خامسا : الذين وقعت هذه الحادثة في زمانهم والذين أوقعوها معا هم سلف لنا جميعا باعتبار الإيمان والأرحام ووشائج الدم والقربى ، فيجب التأدب معهم جميعا قدر المستطاع و فوق المستطاع والدعاء لهم جميعا والترحم عليهم جميعا دوما ، ودون تمييز ، فعسى الله تعالى أن يرحمهم ويغفر لهم بل ويرفع درجاتهم بدعواتنا الخالصة ، ويقيض لنا من يدعون لنا كما دعونا لهم فيغفر ذنوبنا وزلاتنا وهفواتنا وما أكثرها ، ويسكننا وإياهم في جنته ، حيث المجد والفضل الحقيقيان.
سادسا : أنبه رودا هذا الفضاء ومتابعي هذه الصفحة من عموم أهل أبابك أننا لسنا في مناظرة ولا مغالبة ولا أي شيء يستدعي التعليقات التي لا تناسب الأنفة والشموخ .. بل نحن في بحوث رصينة هادئة ننتقى لها من الكلمات أحسنها ومن الأفكار أنسبها ما لم يلزمنا السرد بغير ذلك ونحن حينئذ معذورون لأننا رواة فقط.
أما هم فلا عذر لهم في أي تعليق مسيء كما أن الإساءة لأي كان هي إساءة لأهل أبابك قبل أن تكون لغيرهم.
فالله الله .. الكلمة الحسنة أو الصمت.

#توتر ف#تحاكم

في البداية ومساهمة في تقريب الواقع أيام هذه المحنة للفهم - ولو بشكل جزئي - أنبه أنه في ذلك الوقت كانت المالكية التي يضمها ذلك الحيز الجغرافي (آل آبيري - آل علي - آل المعزوز - آل أبي بكر) مجموعة واحدة لم تتميز بعد إلى مجموعات كما حدث بعد ذلك وكما نراه اليوم.
وكان أبناء أبابك ستة غير محم لكنهم ماتوا كلهم في يوم واحد في أحد لقاءات شرببه كما تذكر الروايات وهم مدفونون بأرض المعركة شمال مدفن "انتفاشيت" الحالي بالقرب منه في موضع يسمى "آفنيد الشهداء" ولم يبق سوى محم فلم يعقب لأبي بكر غيره.
وقد أنجب محم خمسة أولاد ، لم يعقب منهم غير اثنين هما الأمين وأحمد وجميع عقبهما يومئذ حدود ستة عشر رجلا - إن زادت أو نقصت فبقليل - وجدتهم جمعيهم - ما عدا ثلاثة - فاطمة بنت حميذَ بن آبيري.
وكان الكم العددي وقتها في أخوالنا آل آبيري - رحم الله السلف وبارك في الخلف - فهم عمدة أبناء مالك يومئذ ولهذا كثيرا ما نجد محمذن بن سيد أحمد يخاطب بني مالك وهو يقصد جماعة الأخوال أهل آبيري:
فلا تنكروا النعماء أبناء مالك ...
فلو كنت أخشى أن تصيب دماءنا ** بنو مالك ...
وهذه التسمية كثيرة في شعره ، وإنما يقصد الأخوال آل آبيري في الغالب
و لهذا فطبيعي أن تكون رؤية بعض أخوالهم (أهل آبيري) لهم - لا كلهم - أنهم لا يعدون كونهم جزءا منهم .. نظرا لقلة العدد وبنوة البنت واشتراك الحيز السكني.
و منطقي أيضا أن لا يروق للبعض أي تصرف يفهم منه سعي هذه الفئة الصغيرة للاستقلال باسمها وقرارها وإن كانت تلك الفئة ترى أنها مستقلة من أول أب لها.
ومن المنطقي أيضا أن تكون نظرة الغضب و عدم الرضا أشد تجاه كل من يتبنى نظرية الاستقلال بشكل أقوى ، ومن يمكنه فعلا أن يجسدها ويدافع عنها ويقنع بها ، ومن هذا النوع قطعا أحمدُّو بن انَّهَ و محمذن بن سيد احمد.
ومن الوارد أيضا أن لا يقبل الأبابكيون - على قلتهم - التعامل بهذا المنطق ويسعون بكل ما أمكن لتأكيد استقلاليتهم في كل شيء.
أما الطرف الأقوى فيظل دائما متشبثا برؤيته ، وتبقى غير قابلة عنده للنقاش ، ويرى ما سواها خطرا وتعديا ومجاوزة للحدود ، فيسعى لوأده في مهده ، ويتم شحن الناس في المجالس الخاصة ضده ، ثم يعبر عنها من شاء بطريقته الخاصة في العلن متى شاء ، فمثلا ما الذي يبرر الرد العنيف من طرف رجل قد تقدم به العمر على شاب صغير في سن ولده .. والموضوع لا يتجاوز خلافا جرى بين تلميذين في المحظرة ؟ أليس الطبيعي أن هذه المسألة وما شاكلها من باب تجاذبات الصغار فقط!!؟
والأمثلة غير هذا كثيرة
فمثلا لماذا القتلة الشنيعة لأحمدُّو بن انَّه وهو منفرد في الصحراء في طريقه إلى المحظرة لا سلاح معه ولا نصير ، أليست دليلا لا يمكن تفنيده على القصد المبيت والعزم المصمم على التنكيل وإلحاق الأذى !!؟
وأنبه إلى أنه ليس من المقبول أن يوهمنا أحد أنه كان سادس فتية المنجاع أو سابعهم .. فكلمات البيتين صريحة غير قابلة للتأويل ولا التكذيب ، ولو كانت كذلك لتم تأويلها أو تكذيبها في وقتها ولكان أول من يكذبها ابن متالي الذي خوطب بها .. حيث يقول والدنا العلامة محمذن رحمه الله :

ولاقوا قريع القوم أعزل مخليا
فأردوه والهفي على ذلك الردي
و قد قددوا بالمشرفي أديمه
سلام على ذاك الأديم المقدد

وقد استدل الشيخ بجزء منها .. ولا مزية لبعضها على بعض.
وهذه الحادثة مر بها العلامة و الشيخ العدل الرضى الفاضل الدين مرور كرام فلم يعرج عليها وهي الحدث الأبرز والأهم في القضية برمتها فيما قبل مقتل محمود فال - رحمه الله - وعليها ترتبت جميع المحطات البارزة لاحقا .. حكمُ ابن متالي بالقسامة فالصلحُ فتأخر سداد ما اتفق عليه فيه فصبر ابن متالي عاما وكسرا ... إلى آخر ما هنالك مما هو معروف ومفصل في مواضع أخرى ومنها هنا البعض...
كيف يتجاهل الشيخ مقتل أحمدُّو بن انَّهَ إذن !؟ عجيب!
على كل حال سأتناول هذه الحادثة وما نجم عنها بشيء من التفصيل عند الكلام عن مآلات هذه القضية المؤسفة لاحقا إن شاء الله.
ولا يقصر عن قتل أحمدُّ بن انه وطريقته في دلالته على أن هناك نية مبيتة للبطش بأفراد آل أبابك لأسباب غير واضحة مطلقا .. لا يقصر عنه في دلالته الهجومُ بعد قتله مباشرة على خمسة أشخاص منشغلين بالحفر منقطعين فيه منذ أيام لا عدة معهم ولا عتاد ولا استعداد!
والأسباب الثلاثة التي ساقها الشيخ (سقوط محمذن على أكتاف زوجة ابن العيدي وذهاب بصرها والكلمة التي قالها الرجل المجهول لأحمد محمود وسقوط الخيمة جراء مرور الركب حسب روايته) هذه الأسباب لا تبرر بحال الردود العنيفة هذه - على افتراض صدق من حدث الشيخ - أما الشيخ فعدل رضى ثقة قطعا – و سأتناولها في وقفات لاحقة إن شاء الله تعالى.
وخاصة قضية زوجة ابن العيدي لأنها فعلا مهمة غاية ومؤسفة وصحيحة .. لكن ينبغي فهمها على حقيقتها ومعرفة ملابساتها فينبغي معرفة عمر محمذن يومئذ فقط.
وينضاف إلى ما سبق ذكره أن الطرف الأقل عددا ليس هو الذي يسعى للاصطدام في العادة ، ولو كان آل أبابك فعلا هم من بيتوا نيات الحرب مع أخوالهم لأعدوا ما أمكنهم من عدة ، وتأهبوا ما أمكنهم من أهبة!
ولو كانوا كذلك فهل كان قريع القوم أحمدُّو بن انًه سيسافر إلى المحظرة وبمفرده وهو الشاب الحيوي المحوري السيد؟
وهل كان سيد احمد سيتغيب في إبله في "مرزبه"؟
وكيف ينشغل خمسة شباب هم الطاقة الحية بالحفر ويتفرغون له وهم عزل لا عتاد معهم ولا استعداد؟
ومن المقطوع به أنه في جانب أهل أبابك لا يوجد ذكر لتأهب من أي نوع - لم يذكروه و لم يذكره عنهم غيرهم - وهذا كاف لبيان أنهم لم يسبقوا باعتداء من أي نوع ولم يكونوا ينوون الحرب وما أعلنوها على أحد في بادئ الأمر ولا في آخره قولا ولا فعلا.
نعم حصلت تحرشات متتالية - سبق شرح أسبابها العامة المنطقية - فلبدت هذه التحرشات الأجواء بغيوم التوجس والخوف لدى الأكابر ، فكانوا يرون أن الأيام حبلى بما لا يحمد ، وأن درجة الغيظ التي تعبر عنها أقوال وتصرفات بعض الأفراد ربما تتحول في لحظة ما إلى اعتداء .. لكن لم يكن أحد يتصور أن يكون ما كان و بالصورة التي تم بها فعلا .. ولله الأمر من قبل ومن بعد!!
لدينا الكثير من القصص والمرويات في هذا المجال .. لكننا نصون أبصار القارئين وأسماع السامعين وندعو الله تعالى أن يغفر للجميع.
وعلى كل حال فالواقع في مقدمات وأسباب هذه المحنة الأليمة التي تأثر بها عامة تندعه سواءا من دخلها منهم بشكل مباشر و من تأثروا بسبب انعكاساتها - حسب رواية طرف منها تعضدها روايات أخرى و أشعار وقرائن وأحكام محايدة - أن أشخاصا في الطرف الأقوى - لا كله - حاولوا بسط سيطرة ونفوذ لم يقبلهما الطرف الأقل ولم ير لهما ما يبررهما ، وكان ذلك كافيا لتوفر الإجماع عند الطرف المستهدف - بفتح الدال - فيما بعد ، وانعدامه عند المستهدِف - بكسرها - وقد ساق الشيخ أمثلة تؤكد بعض ذلك ولو من غير قصد .. أما الطرف الآخر .. فالأمثلة لديه كثيرة لكنه غير مقتنع البتة بنبش هذه المواضيع وإثارتها ويرى ضر ذلك أكبر من نفعه اللهم إلا أن لا تبقى مندوحة عن بيان بعض الملابسات ويبقى لسان حال كل أحد رغم ذلك قول الشاعر:

دعوني أجمجم نبض اليراع
و لا تجعلوني أميط القناع
ولا تسألوني ولا تحرجوني
و لا تدخلوني خضم الصراع

تلك كانت البدايات .. ولم تكن بدايات القضية موضوع سقوط "أماه" محمذن بن سيد احمد على أكتاف زوجة أستاذه المصطفى ابن العيدي الذي منه تعلم الشعر - وليس الشعر فحسب - بل إنه كان أحد أساتذة عظماء أخذ عنهم جل علمه.
فمحمذن يومئذ فتى صغير يلعب مع لداته .. ويكفي بيانا لذلك أنه يلعب في خيمة شيخه وفيها زوجته ، ولا علم لي بكيفية تعامل ابن العيدي مع الأمر إلا أن المظنون به أنه سيكون تعاملا لائقا بالأطراف الثلاثة.
وحسب ما عندنا فإن (بُدَّ) سيد احمد والد محمذن جاء لاسترضاء ذوي المصابة و معه بعض بني إخوته فقبلوا و رضوا، وحذر محمذن من مثل ذلك مستقبلا وأخذ عليه ما شاء الله من عهود ومواثيق ، وهذا ما يليق بمقامه ولو ذكر لكان ذلك أولى ، ولا علم لنا أبدا بأن القضية تعدت كونها لعب أطفال غير مخاطبين.
وتختلف الروايات هنا فيقول البعض إن سيد أحمد أدى دية البصر .. ويقول البعض بل عفا ذووها .. ولا مرجح لدي ، وأعلم أن كلا الجانبين أهل لأن يفعل ما يناسبه.
لا ننكر أن بعض الناس لم يتناس الموضوع - وحق له - لكن لم تكن لذلك علاقة مباشرة بالتطورات اللاحقة ، وأقل ما يفترض بينهما عشر سنين إن لم يكن أكثر.
ولم تكن البدايات ولا الأسباب كما ذكر في القصتين الأخريين كذلك ، ونحن نجل الشيخ ونكبره عن ذكر هذا .. أحرى أن يجعله مقدمة لاستباحة دماء حماها الشرع.

#قراءات في #الكناش

ما ذا جرى بالضبط؟
يقول الشيخ الدين حفظه الله : فواصلوا رحلتهم وعند ما وصلوا إلى الحي ... ثم يسرد تفصيلات قصة قتل والدنا محمذن بن سيد احمد رحمهما الله للمرحوم محمود فال كما رواها غفر الله لنا ولهم جميعا.
وقد كنا ولا زلنا وسنبقى نرى السكوت عن مثل هذه النعرات أولى وأبلغ وأجمل ، لكني هذه المرة مضطر للكلام قليلا .. لأقول قال ربنا سبحانه وتعالى {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} وقال {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}.
وأخرج الحاكم وابن عساكر وابن سعد عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه قال - لما دنا عكرمة بن أبي جهل من مكة وكانت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام استأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (يأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت).
إن أصل قصة قتل المرحوم محمود فال من طرف والدنا المرحوم محمذن بن سيد احمد قصة مؤكدة .. أسال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لهما و يتجاوز عنهما وعن كل من ساهم بقليل أو كثير في تلك المحنة.
أما تفاصيلها فالواضح من الروايات والقرائن والفتاوى و الأحكام التي دونت بعض مراحلها ومشاهدها يباين بعضه - على الأقل - ما كتبه الشيخ الفاضل الدين.
فالتمالؤ فعل زائد على القتل ولو وقع لكان الواجب أن يحكم على كل الأفراد الذين ذكرتهم الرواية بالقتل قصاصا .. قال خليل: "ويقتل الجمع بواحد والمتمالئون وإن بسوط سوط" وعقده في التسهيل:

و يقتل الجمع بواحد و من ** تمالؤوا هب أهل صنعاء اليمن
أردوا فتى وإن بسوط سوط ** بمسعد و حارس في الشوط

فقد روى الإمام مالك في موطئه والبيهقي في سننه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما والبخاري - على اختلاف في الألفاظ وذكر الأسانيد وهذا لفظ البخاري - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاما قتل غيلة فقال عمر: "لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم".
ثم إنه لو كان الأمر على ما في هذه الرواية لم يكن لما ذكر من وجه الخلاف بين باحثيها من الفقهاء معنى ، لأن هذا القتل إما أنه أخبر عنه من قام به وحرض عليه فهو اعتراف، وإما أن القتيل قال قتلني فلان فيكون الموضوع قسامة .. قال ابن عاصم:

أو بمقالةِ الْجَريحِ المسلمِ ** البالِغِ الحر فلان بدمي

وملابسات وتفاصيل هذه الأحداث كما رويناها بأكثر من سند وكما يفسرها ما دون فيها من فتاوى أهل العلم وأشعار أهلها المعنيين بها المباشرين لها يتلخص فيما يلي:
1. شملت هذه النازلة كما هو معروف أربعة أطراف بصفة مباشرة ، هي: أهل أبابك و أهل آبيري وأهل اعمراكدبيجة والركاكنة.
وكانت بداياتها بين أهل أبابك وأهل آبيري فقط
ولا أزيد كثيرا في ذكر العلاقات بين أطرافها بالإضافة إلى ما سأذكره تحت عنوان مستقل سوى أن والدة جدة العلامة الولي لمرابط - التاكوكيت العُبيدية - أن أمها مماها بنت الأمين بن أحمد شقيقة آباء المتضررين المباشرين ، وهم عبد الله (انه) والد أحمدُّ الذي قتل والثاني محمد والد عبد الله ومحمدن وأحمدُّو و الثالث سيد احمد والد محمذن ومحمودا (الأبناء الخمسة هم جرحى المنجاع) .. فأهل الأمين بن أحمد أخوال جميع عقب الولي لمرابط بن متالي ، من هذه الناحية ، ومن تلك الحيثية فهم أخوال لآل الشيخ محمذن فال بن حبيب الرحمن ومن على شاكلتهم ، كما أن أم مماها هذه وإخوتها هي اللوله بنت الشدو وهي من أهل مَنَّه.
والأمر الأول ربما كان من أسباب لجوء سيد أحمد للمرابط قبل ودون غيره فيما ألم به وبقومه ، كما قد يكون الأمر الثاني من عوامل التداخل المستمر إلى اليوم بين أهل أبابك وأهل مَنَّه وبلغنا أن سيد أحمد كان يكبر لمرابط سنا وتوفي قبله وصلى عليه وقال فيه بعد الصلاة وقبل الدفن أشهد لهذا الرجل أنه رجل الدنيا والآخرة كما يقال .. والله أعلم.
2. سقط في هذه المحنة على امتداد زمنها عموما ثلاثة قتلى: أولهم أحمدو بن عبد الله (انَّهَ) بن أحمد بن محم بن أبابك قتلته الجماعة التي هجمت على قومه بالمنجاع .. وجدوه منفردا، فضربوه حتى ظنوه مات – (حصل هذا وهم في طريقهم إلى القوم عند المنجاع) - ثم تركوه ومات بعد أيام رحمه الله ودفن في "تيلماس" في طريق "اطويْله" من "علب الشوف".
والثاني محمود فال بن اعبيدي بن احمدتك بن آبيري قتله محمذن بن سيد احمد خطأ بـ"آمسادير" أو "آمسيدير" قرب نوعمرت إلى الشمال الشرقي منه.
والثالث المختار بن السالم بن الفاروق قتلته جماعة من الركاكنة ، بترقاء "تاركه".
3. كانت النقاشات العلمية فيها دائرة - في أغلبها - بين ثلاثة رجال أساسا هم العلامة الولي لمرابط محمذن فال بن متالي والعلامة الشيخ محمد لولي بن عبد الله اليعقوبي و كلاهما من تندغة الغربية والعلامة القاضي محنض بابه بن عبيد الديماني
أما لمرابط محمذن فال فهو أول من دخلها بعد تحكيم الفريقين له كليهما.
وأما القاضي محنض بابه فكان قاضي الإمارة.
وأما محمد الولي بن عبد الله اليعقوبي فكان علامة يفتي ويستفتى وله رأيه ومواقفه من كل ما يدور في الإقليم ، وله مع ذلك ثقله ومكانته في تندغة وفي المنطقة عامة.
وبعد أخذ ورد حُكم في القضية الأولى لأهل أبابك بالقسامة في قتيلهم على أحمد محمود بن عبد الله فشرعوا فيها لكنها لم تكتمل بفعل حكمة لمرابط حيث أبرم صلحا بين الجانبين في اللحظات الأخيرة بعد لأي كما يقول.
وحُكم في القضية الثانية أن لا قصاص على محمذن بن سيد احمد.
وفي الثالثة حُكم لأبناء السالم بالقسامة فأتموها على ابوه بن ابوه ولم ينفذ القصاص ، حيث أبرم الجميع صلحا رحمهم الله جميعا.
وهنا أعود بشيء من التفصيل إلى سياقات الأحداث في جانبها المتعلق بأهل أبابك وأخوالهم أهل آبيري ذوي القتيلين الأول والثاني.
كنت قد ذكرت سابقا بما لا يدع مجالا للشك لدى منصف أن أهل أبابك ليسوا سابقين بأي هجوم ولا اعتداء ، وهو ما يعلم كل منصف صدقه ووجاهة ما سيق فيه ، ونبهت إلى أنه على افتراض صحة ما نقل الشيخ عن محدثيه من أن رجلا من آل أبابك قال كلمة وأن ركبا منهم أسقط خيمة فإن ذلك كله لا يبرر كل هذا التصميم على القتل.
وكنت قلت أيضا إن حادثة سقوط الوالد العلامة محمذن ولد سيد احمد على أكتاف زوجة ابن العيدي لعب أطفال ، فمحمذن يومئذ طفل لم يبلغ العاشرة ، وما بين ذلك وقتلة أحمدُّو لا يقل عن عشر سنوات بل يزيد.فهي أيضا لا تبرره، أي حادثة سقوط الوالد محمذن على زوجة ابن العيدي.
و هذه الحادثة الأليمة تم تجاوزها بين الطرفين كما مضى بين الطرفين بما أرضاهما ، دون الجزم بتفاصيل ذلك لاختلاف الروايات ، ولا مرجح لدي شخصيا بينها ، وأقول إن هذه الأمور الثلاثة مجتمعة ولو كانت في يوم واحد فإنها لا تبرر القتل أيضا أحرى مع شدة التصميم.
والآن أسرد الوقائع من يوم قتل أحمدُّو وما تلا ذلك في المنجاع إلى صدور الحكم النهائي .. وبما أمكن من الاختصار
كانت منازل أهل أبابك يومئذ عند لمنيحر شمالي (علب الشوف) ومنازل أخوالهم آل آبيري الى الجنوب الغربي منهم على بعد حوالي أربعة أميال وكان خمسة فتية يحفرون الى أبعد من ذلك في موضع المعركة ويسمى المنجاع وكان الفتية يستقون من العين التي يسقي منها أخوالنا آل آبيري .. وكان إلى الشمال الشرقي من المنجاع على بعد أقل من ثلاثة أميال خيام آل المعزوز.
توجه الجيش إلى الناحية الشرقية في الصباح الباكر وهم يريدون مباغتة فتية المنجاع من جهة شروق الشمس .. وشاء الله تعالى أن أحمدٌو بن انًه كان يسير في ثنية بين المنجاع وبين منازل آل المعزوز في النصف بينهما فصادفه الجيش هناك فضربوه بلارحمة ، ثم واصلو بعدما أيقنوا أنهم قتلوه باتجاه الشباب الخمسة في المنجاع ، وهم ثلاثة من أبناء محمد بن الأمين هم عبد الله ومحمدن وأحمدو - (أدركت شخصيا أبناء عبد الله بن أحمدو هذا ثلاثتهم فكانوا يروون القصة عن ابيهم عن ابيه) - واثنان من أبناء سيد احمد هما محمذن بن سيد احمد وشقيقه محمودا ، فالخمسة أبناء أخوين شقيقين ، وأحمدّو القتيل ابن شقيقهما الثالث عبد الله (انَّهَ) فلما وصل الجيش إلى المنجاع حاول أصحابه أن يقنعوا القوم بالعدول عن قرارهم فرفضوا ، فقال لهم أحمد محمود فات الأوان أحمدُّو ولد أنه قد حامت قوقه الحداء منذ الصباح الباكر قبل طلوع الشمس..فقالوا لهم لا خير في الحياة إذن بعد أحمدو - اللهم اغفر لنا ولهم جميعا - فالتحموا.
فكان ما كان مما ليس ينفيه ** من رامه .. لنقول دونت فيه
حمي وطيس المعركة واستبسل الخمسة في الدفاع عن أنفسهم .. ورغم الفارق الكبير في التسلح والاستعداد والعدد فقد استطاع هؤلاء الخمسة كسر شوكة ذلك الجيش.. وإجباره على الانسحاب والعودة من حيث أتى، لكن بعد أن ضعفت قواهم وتعبوا بشكل كبير .. فسقطوا كلهم أرضا مغميا عليهم بعد انسحاب المهاجمين بقليل.
وفي شأن هؤلاء الخمسة يقول العلامة محمدن بن العالم:

وخمسة فعلوا فعل الخميس به ** يا نعم ما فعلوا إني بهم كلف

وهؤلاء الخمسة والسادس القتيل كلهم أبناء فاطمة بنت حميذ آبيري لا يفصلهم عنها إلا أبوان ، هما آباؤهم المباشرون وابنها المباشر ، وثلاثة منهم أمهم المباشرة هي آطمَّه بنت الخالص الآبيرية ، وهم أبناء محمد.
انسحب الجيش وترك القوم في حالة يرثى لها ، يقول محمذن بن سيد احمد في داليته في لقطة تصويرية لما بعد الانسحاب:

وغودر محمود صريعا لوجهه
تخضب خداه بأشقر مزبد

ويقصد أخاه شقيقه الأصغر محمودا بن سيد احمد
ويقول في أخرى إبان الاشتباك:

أفي اليوم أدعى للهوادة بعدما
تخافقت الأسياف فوق مقلدي

ويقول في ثالثة لمغدور به منفرد هنالك حيث لا نصير ولا شفيق:

ولاقوا قريع القوم أعزل مخليا
فأردوه والهفي على ذلك الردي
وقد قددوا بالمشرفي أديمه
سلام على ذاك الأديم المقدد

وبعد وقت تحامل محمذن بن سيد أحمد حتى وصل خيام "أهل المعزوز" وهي ثلاثة خيام لأبناء حيب الله بن المعزوز ، وهم حرمه وعبد الودود وصلاحي ، وتقع خيامهم إلى الناحية الشمالية الشرقية من المنجاع على بعد ميلين تقريبا ، وفيهم أخت محمذن شقيقته مريم بنت سيد احمد زوجة حرمَه بن حيب الله.. فلم يعرفه أحد في بادئ الأمر ، ثم عرفه صلاحي وكان قصد خيمته تفاديا لخيمة صهره حُرْمَ زوج أخته مريم .. وإنما عرفه صلاحي بساقيه ، فقد كان في حال شديدة ، حيث وجهه وكل أعلي جسمه مخضبا بالدماء.
أخبرهم عما حدث فأصلح بعضهم من حاله وهرع البعض لإغاثة الجرحى والبحث عن أحمدُّو .. وكان حرمه وزوجته أول من وصل إليه ..
حمل الجرحى إلى خيام أهل المعزوز .. ثم علم الناس بما كان فتوجه محمدُّو بن انًه شقيق أحمدُّ - القتيل - من آخر الليلة الموالية إلى عمِّهما سيد احمد ، وسيد أحمد يومئذ هو أكبر أهل الأمين بن أحمد ، وكان قد توفي أخواه .. وكان حينئذ في إبله في "مرزبَّه" في منطقة منها معروفة يقصدها للانتجاع.
وتقول الروايات إنه لم يبد اكتراثا كبيرا وبات في مصلاه إلى آخر الليل ثم أيقظهم وبدأوا التهيأ للسفر
أقبل سيد أحمد وابن أخيه محمدو ومعهما أحمدُّو بن سيد احمد الذي يذكر في يوم "آمسادير" .. وتوجهوا كلهم إلى "اطويله" حيث لمرابط محمذ فال وأخبره سيد احمد الخبر ، فطلب منه أن يأتي بالجرحى وأراه موضعين قريبين من خيمته يتسعان لبناء خيمتين لتضرب فيهما خيمته الخاصة وخيمة للجرحى ففعل.
في الطريق إلى "اطويلة" توفي أحمدُّ بن انًه رحمه الله ودفن قرب "تيلماس" ثم واصلوا حتى نزلوا على شيخنا لمرابط محمذ فال.

يا لوعة ما لها حتى يجيء غد
إلا اصطبار و إلا الواحد الأحد
(إن يمس منفردا فالبدر منفرد
والسيف منفرد .. والليث منفرد)

وبعد شفاء الجرحى بدأت مرحلة أخرى .. فقد أرسل سيد احمد إلى إخوتنا آل آبيري أن يأتوه عند لمرابط ليحكِّموه فيما جرى - وكان سيد احمد رحمه الله سيدا مهابا صموتا حكيما كأن أبا الأسود القريعي أو غيره عناه بقوله:

فتى مثلُ صفو الماء ليس بباخلٍ
بخير و لا مُدْل ملاماً لباخلِ
و لا قائلٍ عوراءَ تُؤذي رفيقَه
و لا رافعٍ رأساً بعوراءِ قائلِ
و لا مُسلمٍ مولًى لأمرٍ يضيمُهُ
و لا خالطٍ حقا مُصيباً بباطِلِ
ولا رافعٍ أحدوثةَ السَّوء مُعجباً
بها بين أيدي المجلسِ المتقابلِ
يرى أهله في نعمة وهو شاحب
طوي البطن مخماص الضحى والأصائل

أرسل إليهم سيد احمد بن الأمين إذن فقبلوا وأتت جماعة منهم ، فامتنع لمرابط في البداية ثم بعد إلحاح قبل بشرط أن يلتزم الجميع بحكمه إن حكم .. فقبل الجميع ، وبسبب هذا الالتزام الذي التزم به الفريقان قبل آل أبابك - فيما بعد - الرجوع و الاقتصار في حقهم على فتوى القسامة على واحد من الجيش .. وهو أمر كان بعيدا عندهم جدا لأنهم كانوا يطلبون الحكم بالفتوى الأخرى وقتل كل الجيش بسبب تمالئه على قتل أحمدُّ بن انًه.
والعلامة لمرابط محمذن فال رحمه الله لم يتعجل في إصدار الحكم فقد أخذ الوقت الكافي حتى حضر جل أعيان تندغة الغربية وشهدوا على التزام الفريقين ، ثم بعد ذلك بدأ بمراسلة العلماء ، وانتظر كل الردود المتوخاة ممن كتب إليهم .. وأهل أبابك ساكتون في كل ذلك صابرون رغم عظم المصيبة وشدة الألم ومضاضة الظلم.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على النفس من وقع الحسام المهند
ثم لما وردت الردود جميعها بلا استثناء تبنى آل أبابك الفتوى الأشد قسوة وطالبوا لمرابط بالحكم بها ، ثم ما زال يسوف لهم ويهدؤهم لعلهم يقبلون بما هو أخف .. ثم لما نفد صبرهم ورأى رحمه الله أنه فعلا نفد وأنهم معذورون وأن لا مجال لديهم بعد للهدوء والتسويف طلب منهم قبول الفتوى الأخف فقبلوا نزولا عند رغبته رحمهم الله جميعا .. فحكم لهم بالقسامة على أحمد محمود .. لكنه لم يستسلم أيضا ولم يتقاعسوا هم كذلك ، يقول رحمه الله في إحدى رسائله "ثم لما هرب الأعبد تبرم المجنيُّ عليهم وضجروا وأبوا التسويف وقالوا لا بد من الحكم ناجزا معتقدين أن الحكم بقتل الجميع فقلت لهم إن كان ولا بد فواحد بالقسامة فتهيؤوا لها وأتوا المسجد لحلفها فحجزتهم عنها بلطف ، ثم بعد لأي اصطلحوا على ما اصطلحوا عليه".
إذن هنا صار الفريقان إلى الصلح وليت دابر الفتنة انقطع ، لكن هيهات ..!!
رفض أخوالنا الكرام الأجلاء الوفاء بما صولحوا عليه..!!
وهذه كحلقة ملقاة في الصحراء قياسا إلى حسناتهم التي لا تحصى.
وللقارئ والمراقب والمتابع الحيادي أن يتصور مستوى صبر المجني عليهم - كما يسميهم لمرابط رحمه الله - ومستوى الحرج الذي تعرض له لمرابط أيضا.
لقد طلب منه قبول أن يحكم فرفض بسبب كراهيته الجبلية للحكم في النزاعات .. ثم قبل طمعا أن يصلح الله به أمر فئتين هما ذرية بعضها من بعض .. ثم تعهد أعيان الناس أن يقبلوا حكمه ولا يتعرض أحد فيه ..ثم أخذ ما أمكنه من الوقت لمكاتبة العلماء .. ثم اختلفت أقوال العلماء فطلب منه المجني عليهم الحكم الأقسى فراوضهم حتى قبلوا الأخف .. ثم تهيؤوا للحلف في المسجد فحجزهم عنه "بلطف" كما يقول .. ثم نزلوا بعد إلى ما يريد من الصلح فلم يف به الطرف الآخر.
فلقد نزل به ما لو نزل بالجبال لهاضها، رحمه الله .,. كما قالت أمنا الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما.
وحق لنا أن نتساءل ألم يؤل الأمر في نهايته لصالح أخوالنا الكرام بحكمة لمرابط محمذن فال وصبر آل أبابك و "كبر خيمهم" ؟ فلله درهما ..!!
في هذه الظرفية يترجم الوالد محمذن ولد سيد احمد بعض الأحاسيس والمشاعر لدى الأبابكيين في داليته التي يمدح بها شيخه لمرابط محمذن فال ويصرح في أحد مقاطعها أنه لا استسلام للأمر الواقع فإما وفاء وأداء حق وإما حرب لا هوادة فيها .. حيث يقول:

فلو كنت أخشى أن تصيب دماءنا
بنو مالك من غير جرم ولا تدي
لأعددتها جردا جيادا كأنها
جراد زفته الريح لم يتبدد
و فتيان صدق لا يطاق نزالهم
إذا جعجعوا في المأزق المتوقد
و في الدهر للأوتار أطول مطلب
إذا لم أنل ثأري من اليوم أو غد
و في معشري عند اللقاء بسالة
وفي غفلات المرء أقرب مرصد

مكث لمرابط محمذن فال بعد الصلح الأخير عاما وجزءا من الثاني ينتظر الوفاء وهو في ذلك يهدئ المجني عليهم ، ثم لما لم يكن ما أراد .. قرر أن يستعمل سببا يحرك المياه الراكدة ، فيستجيب من جهة لمطلب أهل أبابك ، ويعلم أيضا وجهة نظر إخوتنا آل آبيري وآل أعمر ييج معا خصوصا أن السيدين في قومهما أحمد محمود بن عبد الله ومحمود فال بن احمدتك الآبيريين موجودان مع آل أعمر ييج وقتها .. فأرسل إليهم جماعة لهذا الغرض.
ثم شاء الله تعالى أنه عند وصول الوفد أبصر محمذن قربة معلقة فتوجه إليها ليشرب منها ، وعندما أهوى لحل وكائها إذا برفاقه يصيحون به "محمذن ارفد عن راصك مت" وإذا بمحمود فال يهرول إليه وقد قارب أن يصله شاهرا سيفا ، فأخذ قدوما كانت غير بعيدة وانتزع نصلها وضربه بعمودها - غفر الله لهما - وتذكر الروايات هنا أنه لما ضربه سقط أرضا وإذا بشقيقه أحمدٌو بن سيد أحمد يعدو باتجاه أحمد محمود فعدا إليه وكفه عنه.

وفي أدبيات أهل أبابك حتى اليوم أن "أهل محمذن فيهم عطشه ما تمركهم" إشارة لقصة القربة وتندرا بها.
ثم توفي محمود فال رحمه الله جراء مضاعفات هذه الضربة بعد أيام .. فترافع الفريقان فاختلف علماء الإقليم.
أما القاضي محنض بابه فكان يرى وجوب القصاص بناء على عدم اشتراط قصد القتل في القود .. وهو في التسهيل:
والشرط في القود قصد الضرب قط ** فالقصد للقتل به لا يشترط
مع أن أولياء القتيل- رحمهم الله جميعا - استظهروا بوثيقة الصلح فقالوا إن أهل أبابك فعلا يطالبونهم بما وقع عليه الصلح وهو موجود وهم مستعدون لتسليمه .. وأنهم يريدون القصاص من ابن سيد احمد.
وأما العلامة الولي لمرابط محمذن فال بن متالي والقاضي أحمد بابه بن أحمد بيب فكانا يريان أن القاتل من أولياء دم القتيل أحمدُّو بن أنه ولم يعط حقه الذي صالح عليه ، وأن القتل عارض لم يقصده فاعله وأن قصده شرط في القود .. وهو في التسهيل:
........................... ** وشرط قصد القتل رأي ما أبي
وقد رجع العلامة القاضي محنض بابه إلى فتوى العلماء الثلاثة التندغيين والعلوي .. ويحق له الرجوع .. وتذكر بعض الروايات أنه ليم جراء ذلك الرجوع ، ويذكر أنه اعتذر عن ذلك بمعاذير أصحها سندا عندنا وأكثرها تمشيا مع منطق أهل العلم المخطوم عادة على قلته أنه قال:

ليس من اخطأ الثواب بمخط
إن يؤب ، لا .. ولا عليه ملامه
حسنات الرجوع تذهب عنه
سيآت الخطا و تنفي الملامه
إنما المخطئ المسي من إذا ما
وضح الحق لج يحمي كلامه

ووضح الحق في البيت الأخير ، ومن أخطأ الثواب في الأول ، وحسنات الرجوع في الثاني واضحة في أنه إنما رجع عن قناعة تامة.
والروايات تذكر أن العلامة لمرابط سافر إلى القاضي وناقشه وجها لوجه ، وحق لمن ناقشه الولي لمرابط وجها لوجه أن يقتنع أحرى إذا انضاف إلى ذلك ما كتبه العلامة محمد لولي بن عبد الله اليعقوبي والقاضي أحمد بابه.
وقد كتب أمير المؤمنين عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: "ولا يمنعك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق ؛ فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع في الحق خير من التمادي في الباطل".
وكان العلامة محمد لولي بن عبد الله اليعقوبي - وهو عالم متمكن فقيه جدا عميق النظر بعيد السبر- يرى أن تلك الظروف لن يترتب على القصاص فيها إلا مزيد من الفتن والقتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض واستباحة الأموال ، وكان ذا نظرة مقاصدية بعيدة الغور ، فكان يقول إن المصالح التي شرع من أجلها القصاص من حفظ الكليات غير مرجوة الآن ، لانعدام السلطان الذي يمنع مزيدا من الانتقام ، ويوفر الأمن للجميع ، وأن الله تعالى قال {ولكم في القصاص حياة} فالقصاص إنما شرع لدرء الفساد كما قال ابن عاصم في المرتقى:
و تارة بالدرء للفساد ** كالحد والقصاص والجهاد
وإنما يقيمه السلطان القادر على منع انتشار القتل أكثر بسببه.
يقول العلامة الولاتي كلاما ملخصه : قوله تعالى {ولكم في القصاص حياة} مضمون هذه الآية تعليل للأمر بالقصاص في قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} ومفهوم العلة أنه إذا لم يكن فيه حياة بأن كان يجر إلى القتال كما في هذه البلاد السائبة أنه لا يكون مشروعا.
وفي باب القسامة يقول الشيخ عدود في نظم التسهيل:

و السبب الموجب للقسامه
إيراد حر مسلم حِمامه
في موضع اللوث ، وفي اللوث روي
تفسيره بالأمر ليس بالقوي
عن الإمام مالك كمثل أن
يزعم حر مسلم كلف أن
فلانا أرداه .........

وأصل القسامة ما رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنّهما قالا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِى بَعْضِ مَا هُنَالِكَ ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً فَدَفَنَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبِّرِ الْكُبْرَ فِى السِّنِّ فَصَمَتَ فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ ؟ أَوْ قَاتِلَكُمْ ؟.
قَالُوا وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ؟.
قَالُوا وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى عَقْلَه
وهو ما عقده الشيخ عدود في الموثق بقوله:
أصل القسامة الحديث المتفق ** عليه في ابن سهل الذي انطلق
مع ابن عمه لخيبر فألـ ** ـفي قتيلا فشكا رهط الرجل
إلى النبي و اليهودَ اتهموا ** فقال سموا واحدا و يقسم
خمسون منكم على تهمته ** بقتله يدفع لكم برمته
قالوا أنحلف و لم نشهد فرد ** بعرض أن يقسم منهم ذا العدد
و يبرئوهمُ فقالوا كيفا ** و القوم كفار فرد السيفا
في غمده بعقله من قبله ** كي لا يطل دمه بإبله
صلى وسلم عليه الله ما ** أعدل ما يقضي به و أحكما
فإن قتيل بين قوم ألفيا ** و واحدا منهم يسمي الأوليا
مع عداوة ولوث يقسم ** خمسون منهم ويثبت الدم

أتذكر وأنا أنظر لما كتبه الشيخ الفاضل الدين عن سلفي رحمهم الله وعن والدي وعمي خاصة أتذكر ما قاله معاوية لولد أبي محجن الثقفي الصحابي رضي الله عنه وما رد به ولد أبي محجن على معاوية مما هو مذكور في كتب التراجم والطبقات .. وأقول لو شئت لذكرت من مناقب القوم ووالدي خاصة مما قاله ومما قيل فيه غير هذا.
وأنبه إلى أن هذه الأمور قد اكتملت كلها وحكم فيها الحكم النهائي ووالدنا محمذن بن سيد احمد رحمه الله لما يصل السابعة والعشرين من العمر.

#تحت #الأضواء

من هم آل أبابك؟

يقول الشيخ حفظه الله: ثم بعد ذلك مر أحمد محمود بحي من أحياء أهل أبابك فصرخ عليه واحد منهم بكلمات احتقار ختمها بكلمة صنهاجية (تكراذه) بمعنى هل سمعت ....
ويقول: وفي الغد مر ركب من أهل أبابك مغذين سراعا بحي من أحياء أهل آبيري فأصابت جمالهم بعض أطناب خيمة محم بن الخالص بن محم المعروف بأحا بن احمتك فسقط جانبها وفيها زوجته الزعرة بنت الفائق بن أحمد بن منيري ......
هاتان الصورتان إيذاء لفظي ومعنوي بالغ .. فسبحان الله!!
ليست هذه تصرفات الأبابكيين .. وما هذه سماتهم وما هي بشمائلهم ، وأحيل القارئ الكريم على شهادات شيوخ وأناس آخرين لعل شمس الحقيقة تشرق وصورة الواقع ترتسم:

• العلامة #وداهي بن #احمياده رحمه الله:

جزى الله إحسانا سَراة أبي بكر
كرام المساعي والمثاني من الأمر
هم الشمس تبدو من بروج سما الندا
بدور الثريا في الشدائد و اليسر
فيا نعمهم كهفا لمن صوحت به
متون فيافي البر ترميه للبحر
فلو لامس الصخر الأصم بنانهم
أفاض الندى ذاك الأصمُّ من الصخر
لقد فتق الأصداف عن در مجدهم
وقد رتقوا دون الخنا أمنع الستر

• الشاعر #عيني رحمه الله:

أيا نفس خلي عنك ما قد نبا بك
لدن قمت بين الغر آل أبابك
فإن قمت بين الغر أو ملت نحوهم
فذلك عندي هو حالة ذلك
تلاقي الذي يا نفس قد كنت ترتجي
قديما و لم تخشي إشاكة شائك
تلاقي كراما حافظين ودادهم
لهم شيم تمتاز من نسل مالك
هم كل شهم ريئ أكثر همه
عظام الأيادي وارتكاب المهالك
وإن سيم يوما بالعطاء أو الخنا
يكن غير وقاف و لا متمالك
يصول إلى الحوجاء صولة حاتم
وعند اشتداد الحرب صولة شائك
فذو الجد لا يأتي بشيء بعيدهم
من المجد إلا فر فوق السنابك
سلكنا سبيلا لا يزال إليهم
أحب إلينا من جميع المسالك

• العلامة #نافع بن #حبيب

آل الكريم أبي بكر الرضى البهم
هم الكرام و أبناء الكرام هم
أكفهم للندى مُسيا و أوجههم
عند الصباح صِباح ما بها وصم
ترتاح للبذل في اللأواء أنفسهم
مثل ارتياح الأقاحي طلها الديم
وكل زين توخوا منه أجمله
وكل شين لهم من دونه قسم
فهم همُ إن دعا الداعي لمكرمة
و هم إذا ثوب الداعي الملم هم
تواشجت بيننا قدما و بينهم
علائق الود و الأرحام والذمم
ونحن الَانَ كما كنا فلا وهنٌ
في الحب منا و لا وهي و لا وهم
وأصدق الناس ودا من يواس أخا
بنفسه و لظى الهيجاء تضطرم
تلك المواثيق لا تنفك محكمة
لم تبل قط و لم تعقد لها الرتم
والحال تنشدني في الحين مطربة
ما قاله في القديم الشاعر العلم
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
إلا يزيدهم حبا إلي هم

• العلامة #محمد بن #حمينه

لآل أبابك الغر السلام
وعمكمُ برحمته السلام
لقد شاعت مفاخركم وذاعت
فإنكم المحلة و الكرام
فأقلام الكتابة لا تحاكى
حكتها من كتائبكم سهام
و أبواب البيوت محل الايتا
مفيد القول بالقُل الكلام

• العلامة #محمد #عبد #الله بن #البشير

جزى الله بالإحسان أبناء عمنا
كرام المساعي من صميم أبي بكر
و وفق للنهج القويم جميعهم
و أيدهم بالعز و النصر و اليسر
فقد أحرزوا مجدا طريفا وتالدا
وحلما و لو جل الـمُصيب عن الصبر
و ما فيهم إلا سري سميذع
كريم على الإقلال إن ضن ذو الوفر

• العلامة و المؤرخ #المختار بن #حامدٌ:

حمدت مبيتي عند "تحفر في ظمإ"
فيا ليتني من ليلتي عندها أمئي
بها ملَّأتني من سرور أبابك
فأصبح حبِّـيهم وشكري لهم ملئي
أناس لهم بالمجد مبأى و مفخر
ومثل الذي أوتوا من المجد قد يبئي
همُ زوجوا الدين المروءة أخته
فكفء لها من مرأة هو من مرء

• العلامة #محمد #سالم بن #ألما رحمه الله:

وقى الله في الدارين كل المهالك
و حاط بحفظ منه أبنا أبابك
هم الغرر الشم الكرام فلذ بهم
تصادف بدور المدجنات الحوالك
فيالك من ندب ذكي سميذع
و يالك من شيخ تقي مبارك

• #محمدن بن #الشيخ #محمدو (بدن)

أيا ربنا عجل لأبنا أبابك
أحبتنا الأعلام أبناء مالك
بنصر عزيز لا يكيف منة
من الله و التيسير كل المسالك
وفرج كروب المحسنين وعافهم
وذد عنهم شر الخطوب الحوالك
بجاه حبيب الله جل صلاته
عليه دواما خير فهر و مالك

• العلامة #نافع أيضا

أهل الينيبيع لا تعبأ بمن عذلا
في حبهم حيثما أبدا لك العذلا
يا نعمهم عندما لان الزمان لهم
ونعمهم حيثما خطب به نزلا
ومن يكن خله يبغي به بدلا
فإنني بهم لا أبتغي بدلا
حقيقتي ودهم قدما وإن علمت
حقيقة المرء فليترك وما عملا

ويقول الشيخ الدين - حفظه الله - في فقرة أخرى: ثم بعد ما حصل عند لمرابط مما هو موثق في رسائله .... إلى أن يقول: وأرسل في أثر القوم البشير بن سيد أحمد ليتركوا المهمة عنهم ويعودوا إليه ولكن البشير لحق بهم وهو ينشد فاغو ويقول لهم لمرابط يأمركم أن لا تعودوا إليه بدون المطلوب ......
وأقول: شهرة البشير بن سيد احمد هذا أو "بشير" كما يناديه إخوته كما أخبرني الآباء هي شدة الورع و السكينة والوقار و الفضل وملازمة الذكر وتلاوة القرآن.
وليس فيما عندنا من الأخبار مطلقا ذكر له في يوم آمسادير.
أما قصة ارتشاء الأمير المعروف بالعدل بشهادة من عاصروه بمائة ناقة - حسب الرواية - فهو غريب جدا .. وغرابته من أكثر وجه .. ولإيرادكم له أكثر من تفسير لكنني لا أريد الخوض في أغلبها .. لكنني اكتفي بالقول إنها تؤكد نسيان بعض محدثيكم أو بعض محدثيهم.

#في #ظلال #المجد #الوارفة

(العلاقة بين أهل ابابك وأخوالهم أبناء بناتهم أهل آبيري)

فيما يلي أريد أن أتناول العلاقة بين فخذي آل أبابك و إخوتهم آل آبيري .. فأقول:
العلاقة علاقة قربى ووشائج أرحام قبل أن تكون علاقة جوار وقبل أن تكون علاقة سياسية ..
أخبرني عمي أحمدُّ بن أحمد سالك عن جدي أحمد سالك بن أحمدُّ بن محمذن بن سيد احمد أنه كان يقول إنه يعد لنفسه عشر جدات ، من آل آبيري.
ومما يعلم بالتواتر أن أم غالبية آل أبي بكر اليوم هي فاطمة بنت حميذَ بن آبيري زوجة أحمد أصغر أبناء محم
وكنت سألت مرة النسابة محمدٌ- بضمتين - بن المصطفى بن العالم عن أمهات كل من الطرفين من الطرف الآخر فعد لي عدة أمهات من آل آبيري و مثلهن من آل أبي بكر من حفظه وقال لي إذا عدت لكتابي فسأزيدك.
فاللائي ذكر لي من نساء أخوالنا أهل آبيري : فاطمة بنت حميذ بن آبيري ، وأم هانئ بنت عباس وأم الحسن بنت هلَّه ، وآطمَّ بنت الخالص ، وأم المؤمنين بنت اعبيد اللَّه ، وفاطمة بنت الخراشي بن سيد محمد
واللائي ذكر لي من نساء أهل أبابك في إخوتنا آل آبيري: سلمى بنت طلحة ، وعاتكة بنت أبي بن أحمد ، وأختها مريم بنت أبي بن أحمد ، مماها بنت الأمين بن أحمد وهي جدة لمرابط بن متالي السابقة الذكر ، وعايشا بنت محم بن أبابك ، وفاطمة بنت أحمد بن محم بن أبابك
ومما يذكر في هذا المجال أن بنات محمد بن طلحة (امدن) عشر ، ست منهن أمهات أسر آبيرية
فكيف تتأثر علاقة هذه بعض روابطها لا كلها ، وهذا نوع تشابكها وتداخلها .. كيف تتأثرا بشكل مضر بعوادي الزمان ودواعي الفتنة والتفرقة ؟!
نعم قد يؤثر التباعد أحيانا أو السياسة أو عمل شياطين الإنس والجن، فالعلاقة مهما توطدت لا تسلم مما يكدر صفوها حينا فحينا حتى بين الشقيقين .. وذلك طبيعي جدا، فما يلبث الناس إلا قليلا حتى ترجع العلاقة لسابق عهدها أو أحسن ، وتنتصر أواصر القربى على قواطع السياسة.
وعلى طيلة أمد التجاذبات الطارئة يظل كلا الفريقين على أهبة الاستعداد لرأب الثأى متطلعا متشوفا متشوقا للمناسبة التي يتنصر فيها العقل والحكمة ، وترجع المياه إلى مجاريها والحال إلى نصابها ، ولسان حاله تجاه الطرف الآخر:

أنتَ الحَبيبُ وَمالي عَنكَ سُلوانُ
و فيكَ ضَجّ عليّ الإنْسُ وَ الجَانُ
بيني و بينكَ أشياءٌ مؤكدة
كما علمتَ و إيمانٌ و أيمانُ
فليتَ شعري متى تخلو وَتُنصِت لي
حتى أقولَ فقلبي منكَ ملآنُ
فيا نسيمَ الصبا أنتَ الرسولُ لهُ
و اللهُ يعلمُ أني منكَ غيرانُ
بلغْ سلامي إلى من لا أكلمهُ
أنّي على ذلكَ الغضبانِ غَضبانُ
لا يا رسوليَ لا تذكرْ لهُ غضبي
فذاكَ منيَ تمويهٌ و بهتانُ
وكيفَ أغضَب؟ لا والله لا غَضَبٌ
إني لِما رامَ مِن قتلي لَفَرْحَانُ
يلذُّ لي كلُّ شيءٍ منهُ يؤلمني
إنّ الإساءة عندي منهُ إحسانُ
فكُلَّ يَوْمٍ لنا رُسْلٌ مُرَدَّدَة
و كلَّ يَوْمٍ لنا في العَتْبِ ألوانُ
استَخدمُ الرّيحَ في حملِ السّلام له
كأنما أنا في عصري سليمانُ

وظلت علاقة الفريقين دوما أقوى وحكمتهما أعلى مما قد يشوب صفو المودة بدخن ، أو يشوه وهجها برتوش فلم يكن لكل ما حدث تأثير حقيقي يذكر.
كيف لا ؟ وقد قال الله تعالى {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} وقال {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى} والقوم من الطائفتين يعرفون تلك النصوص جيدا ، وإن كان البعض ينساها في بعض الأحيان بحكم الطبيعة البشرية فإن الغالب تذكرها ، والمتغلب إفاقة العقل بعد سكرة الطيش ، وكرة الحلم بعد فرة الغضب ، ولغة السنة والقرآن بعد وسوسة وتخليط الشيطان ... !!
وهكذا يجب أن يكون ويبقى المؤمن حتى يغادر الدنيا وربه راض عنه !!
ليس من بر الوالدين ولا من الإحسان للأولاد ولا من خدمة أجيال المستقبل إذكاء نار الفتنة ولا بعث أوارها
أخرج الإمام أحمد ، والبخاري في التاريخ ، والترمذي ، وسعيد بن منصور ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم عن الحارث بن الحارث الأشعري قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ ، اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ : السَّمْعُ ، وَالطَّاعَةُ ، وَالْجِهَادُ ، وَالْهِجْرَةُ ، وَالْجَمَاعَةُ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ ، إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ ؟ قَالَ : وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللهِ).
و في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله كُنَّا مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.
ومثل هذه النصوص كثيرة جدا في القرآن والسنة.

على رغم الهزات العنيفة التي تعرضت له العلاقة بين الحيين فإنه من المشهود به عندنا وراثة عن سلفنا الاتفاق على الاعتراف بمجد أخوالنا وعزهم وفضلهم وعلمهم و ورعهم وكل اوصاف الثناء المستحقة..
و مما يؤثر عن والدنا أنه قال: (إذا وجدت مكرمة ولم يعرف صاحبها و بحث عنه فسيكون لا محالة من أهل آبيري).

توارثوا ذا كابرا عن كابر
و لم يكن ذاك التراث عن كلا....
تلك الكمالات سليلات الكما
ل و كذا يكون من قد كملا

وهم معروفون بذلك في عامة الأوساط الشنقيطية وفي الوسط التندغي خاصة فقد ملأت أمداحهم الطروس و قرت بها الأعين و رضيت بها النفوس فلنختم ببعض ما قاله فيهم #العلامة #العلم #محمدن بن #العالم #الأبابكي:

يرى أنه أحرى ذوي الوجد بالعذر
بما في الهوى لاسيما في الهوى العذري
ومن لا يرى عذرا مبينا لذي الهوى
فذياك أحرى من ذوي الوجد بالعذر
ومن ظن أني أرعوي عن هوى الدمى
فقد ظن زورا والمثاني من الأمر
لقد كنت يوم القصر مما ظننتني
براء كما أني براء من الكفر
ومن رام قصر المد من مدة الهوى
فقد رام ما يابى لعمري عن القصر
ومن رام قصري حاضرا فرض حبها
فقد رام تقصيرا بذي الوجد عن قصر
وإني على ما كان من مر هجرها
أرى المر حلوا في اقترابي على هجري
إلى أن يقول:
إلى معشر الأخوال من صادق الإخا
سلام سليم طيب الذكر والنشر
كثير الدواعي جمها أكثريها
ويزري بأنواع الغوالي وبالخمر
هم القوم كل القوم علما وسؤددا
همُ هامة التقوى .. هم منبع الفخر
هم ما هم من جددوا كل دارس
من المجد إذ أودت به راحة الدهر
وما كان في ذات التقاصير والحلى
فأضعافه فيهم تراثا بلا نكر
وفيهم وفيهم ثم فيهم وفيهم
من المدح ما يأبى لعمري عن الحصر

و للعلامة #محمدن ولد #العالم أيضا يمدح الأخوال أهل آبيري في حصرة "اتكيليلة":

من آلاء رب العرش سبحانه الكبرى
مجاورة الأخوال في كلما "حصرا"
فسبحانه من منعم متفضل
علينا بما لا نستطيع له حصرا
فلا زال نصر الله يبدو لواؤه
بأرجاء تلك البئر لا يبتغي قصرا
فما هي إلا بدرُ في أفق أرضنا
فلا بصرة نهوى بها لا و لا بصرى
عليها جمال ليس يخفى تخاله
إذا لاح للرائي "جمالا" على مصرا
أبت غيرنا أهلا و تيلك منة
علينا لها إذ قد حبينا بها نصرا
إذا ما تراءت للنفوس حسبتها
لموقع مرعاها وضعن بها يَسرا
و إنا بتلك البئر نهوى توطنا
عصورا إذا ما يسمح الحال أو عصرا
صلاة على من أوقع الظهر ساعة
و بالأمس تشريعا بها أوقع العصرا

و بعد فيقول الله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف يؤتيه أجرا عظيما}
أخرج الأئمة أحمد ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم)
فتلك دماء طهر الله منها أيدينا بمحض فضله و كرمه فلنطهر منها قدر المستطاع ألسنتنا {ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.

#كمل #بحيك #الشرف

محمودا بن أحمد سالك

اكتب تعليقاً

أحدث أقدم