بسم الله الرحمن الرحيم 


هوامش على وقفات وقراءات محمودا 


في منشوره الأول، الثالث لمجموعة أهل أبابك في "النازلة التندغية"، ينزع الأستاذ محمودا بن أحمد سالك، نحو دبلوماسية الرد، متكئا على مزيتين اثنتين تُحسبان له عكسا لسابقه: أما الأولى فالسرد الأدبي الإنشائي الماتع، وأما الثانية فمحاولته، ، الابتعاد عن الإساءة والتجريح، والأمران محمودان كاسمه، لكنهما في ميزان الاستنطاق التاريخي لايغنيان من الحق شيئا.

ونحن إذ نسجل للأستاذ محمودا إمتاعه الأدبي والإخراج غير الموضوعي لنسخة قومه من هذه النازلة، لا ننسى له وهو يقر أن روايته هي "رواية الأغلبية العظمى منهم للمحنة التندغية"، عدم ابتعاده أحيانا، عن الرواية الآبيرية، عن قصد أو غيره، وإنزال شيخنا الورع الدين بن محمد محفوظ بن بباه في محاورته الهادئة، منزلته، وتصديقه، حين يغيب ذلك عن سلفْه، غير ما مرة.
ولعل أوضح أمثلة على نزوعه ذاك هي مطابقته لشيخنا الدين في: أن المصطفى بن العيدي أستاذ لابن سيد أحمد، وفي ثناء جده على أهل آبيري، وقصة إصابة بصر "بنت لاهي" بعد تكذيبها من سابقه أحمدُّ بن عبد الله الذي ادعى أن ابن سيد أحمد كان في( محظرة الصفراء والخضراء واللتي زعم انها في تكانت !!!).  وذكره ما يتطابق مع ما عند آل آبيري من كون فاطم بنت الخالص أما لبني محمد بن الأمين بن أحمد، وككون يلُّول بنت الشدُّ أما لبني الأمين بن أحمد.
وقبل أن ندخل إلى صميم الموضوع، لايفوتنا في بداية هذه المحاورة الهادئة، أن نسجل باستغراب أن الأستاذ محمودا ينقل عن طرفه عدم اقتناعه البتة بنبش هذه المواضيع وإثارتها ويرى ضرها أكبر من نفعها، وهو في الآن نفسه عاكف في محراب نبشها وإثارتها تابعا لسلفه من قومه المصطفى فأحمدو..ما يجعلنا نتساءل من ألجأهم إلى نبشها أولا وثانيا وثالثا.
ولابد من التذكير في هذه العجالة التي هي في المجمل هوامش على قراءات ووقفات محمودا "الموضوعية" التي اعتبرها رواية الأغلبية العظمى من قومه لـ"المحنة التندغية"، بما أفاد به مشكورا البحث في هذه النازلة، وفي الآن نفسه بما اعترى جانبا غير قليل منها من "عوار" يمكن تسجيله على النحو التالي:  
1) لايدخر الأستاذ محمودا جهدا في جعل سقوط "أماه" على أكتاف زوجة أستاذه، سببا غير كاف للأحداث اللاحقة، فيقول "ولم تكن بدايات تلك القضية سقوط أماه على أكتاف زوجة أستاذه الذي تعلم منه الشعر وليس الشعر فحسب"، ليكون ما حدث بلا سبب أو بسبب وهمي كما افترض هو في تحليله.. ثم يسوق الآيتين كأنهما حجة علينا دونه مع أن الثانية منهما من فحوى الخطاب لأنا إذا كنا لا ينبغي لنا أن نتكلم بما سمعنا فمن الأولى أن نسكت عما لم نسمع وأن لا نصوغ من وحي الخيال نصوصا محكمة نبني ونغطي عليها.. وكأنه لا يعلم أن النار تضطرم من شرر صغيركما قال نصر بن سيار الكناني:
فإن النار بالعودين تذكى      وإن الحرب أولها الكلام
والبكري طرفة:
قد يبعث الأمر العظيم صغيره    حتى تظل له الدماء تصبب 
2) ولنترك ذلك جانبا إلى ما هو أهم ونسجل استغرابنا من أن يلتبس عليه التمالؤ بمعنى التعاون على القتل والتحريضُ أحرى إذا كان المحرَّض بالغا عاقلا لا سلطان عليه للمحرِّض كمحمذ بن سيد احمد فيجلب محمودا نصوص القضية الأولى التي هي قضية عمر وعامله على اليمن يعلى بن أمية رضي الله عنهما، محتجا بعدم تطبيق الحكم فيها على أصحاب التحريض في القضية الثانية ليستنتج من ذلك الالتباس استنتاجا سقيما يقوده إلى أن التحريض لم يحصل البتة.. ولنا هنا أن نتساءل: كيف يتم تطبيق حكم الجاني في المحرض ممن يريد درء الحد عن الجاني البالغ المباشر غير المكره؟
3) يجتهد محمودا وله قطعا أجر الاجتهاد الخطأ، حين يجزم في السرد التالي: "انسحب الجيش وترك القوم في حالة يرثى لها" بهزيمة الجيش المزعوم على أيدي الخمسة، محملا هذا الجيش المهزوم بحسب تعبيره مسؤولية ترك الجرحى في حالة يرثي لها.
4)يكرر محمودا الخطأ مرة أخرى، ولكن هذه المرة بطريقة غير مفهومة وفي ما لاعذر له فيه، حين يذكر أن سيد أحمد استرضى ذوي المصابة فقبلوا ورضوا ولو ذكر لكان ذلك أولى فهو يريد من خصمه أن يذكر ما ﻻ علم لنا به "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به".
5)ويقع محمودا في الخطأ من حيث أراد اجتنابه، حين يفوته أن أهل آبيري ﻻ يسبحون في الخيال ولا يقولون ويتم شحن الناس في المجالس الخاصة ضده إلى غير ذلك من التحاليل التي لا ترقى إلى درجة الظن الذي هو أكذب الحديث كما في الحديث ويذكر أن عمر الجاني ﻻ يتجاوز عشر سنوات.. وتلك دعوى تقابلها أخرى تقول إن الجاني بالغ.. ولا مرجح اليوم إﻻ إذا كان ما حدث عن سقوط الجاني من فقدان البصر، ونحن نقترح أن يترك ذلك لأهل الترجيح.    
6) ويتمادى محمودا في الخطأ أكثر، حين يقول "كيف يتجاهل الشيخ (يعني الدين) مقتل أحمد بن النه إذن"؟ ونحن نقول له عجيب أمرك يا أستاذ، أما يكفي من ذكره الإتيان بالنص المقدس:
أتيتك أرجو العلم والدين والهدى 
على انني لم أنس مصرع أحمد
ومصرع فتيان أماثل حوله 
وما حدث الركبان في كل مشهد
7) وهو الذي كتب قبل هذا "وأنبه إلى أنه ليس من المقبول أن يوهمنا أحد أنه (والضمير لأحمد بن النهَ) كان سادس فتية المنجاع أو سابعهم"، متناسيا أو متجاهلا أن كلمات البيتين صريحة غير قابلة للتأويل ولا التكذيب، وأن البيتين حصلا على تزكية يضاهيان بها الذكر الحكيم، مستطردا "وقد استدل الشيخ (يعني الدين بن بباه) بجزء منها ولا مزية لبعضها على بعض".
قلت: وإذا كان الأمر كذلك فَلِمَ يركز محمودا وغيره على كلمة واحدة هي مخليا ليبنوا عليها كل ما سطروه حول قتل قريع القوم أحمدو بن النه، كأنهم لم يفهموا غيرها من هذا النص المقدس الذي لا يقبلون التحاكم إلا إليه على أساس صحته معنى ومبنى.. أليس النص يقول
 على أنني لم أنس مصرع أحمد 
ومصرع فتيان أماثل حوله".....
وسؤالنا: هل كلمة حوله منسوخة أو مدرجة أو موضوعة في هذا النص المقدس الذي لا يقبل التاويل ولا التكذيب، كما يقول.
9) و"يقول في أخرى إبان الاشتباك: أتيتك أرجو العلم والدين" كأن الشاعر كان يتحدث مع ابن متالي إبان الاشتباك. 
10) إذا كان محمودا ذكر أنه لا يعرف هل دفع سيد أحمد دية البصر أم لا، فنحن ندرك جزما أنه لم يدفعها ولو عرض دفعها لم تقبل لأن أهل آبيري يأنفون قديما وحديثا من أخذ الدية وكانوا حينئذ أهل ثروة طائلة، فكيف لهم أن يأخذوا الدية من شيخ وقور محبب تربطه بهم أواصر القربى والمصاهرة من جدتيه الآبيريتين: فاطمة بنت حميذه بن آبيري وفاطمة بنت محمذن بن حيبلل بن آبيري، أليس غريبا من إمام مثل محمودا أن ينشر مثل هذا القول الذي يصرح بأنه لا يعرف صحته من سقمه.              
11)ينفي محمودا إصابة جمال قومه لأطناب خيمة محم بن الخالص، محتجا بأن ذلك ليس من أخلاق أهل أبابك، محاولا في الوقت نفسه أن يثبت على أهل آبيري أنهم جهزوا جيشا لقتل فتية عزل وبنية مبيتة كأنه شق عن قلوبهم ليكون تجهيز الجيش المزعوم أمرا اعتباطيا.. ونحن نقول ليس تجهيز هذا الجيش سوى استجابة موال لغيظ سيدتهم ينضم إليهم بعد نشوب المعركة سيدهم محم بن الخالص وابن خالته وعمِّه أحمد محمود المغيظ مما أصاب بصر شقيقته سواء قرب عهده أو تطاول.
12) كما أننا لا نستسيغ تحديد المدة بدون دليل كما حددها ( بعض الناشرين الجدد ) بعشر سنين وبعضهم بخمس عشرة سنة، ونعلم يقينا أن هذه الأسباب غير مسوغة لما حدث شرعا ولا طبعا ولكن الأمر كان كذلك (مثل ما أنكم تنطقون). 
13) من الغريب أيضا أن يهزم خمسة أشخاص لا عدة معهم ولا عتاد، كما يحاول محمودا أن يوهمنا، جيشا مجهزا بنية مبيتة دون أن تسجل إصابات تذكر في الجيش المزعوم.. والأكثر غرابة من ذلك أن يسجل في "كوميديا مضحكة" أن الخمسة العزل بقوا جميعا صامدين حتى انتهت المعركة بانهزام الجيش ثم يسقطون جميعا صرعى في حالة إغماء، متجاهلا كسابقيْه، ما قام به فتية أهل آبيري: عبد الودود بن حبيب الرحمن ومحمذن حبيب الله بن بباه ومن ساعدهما من قومهما على الواجب الشرعي والأخلاقي المتمثل في القيام بما هو متاح من سقي وتضميد جراح ونقل إلى الظل لإنقاذ حياة الجرحى المغمى عليهم.
14) ولايبعد أخونا محمودا كثيرا عن سابقيْه حين يتواطأ معهم على تجريد أهل آبيري من كل مكرمة حين يمنحونها هذه المرة لقوم آخرين لم يشعروا بشيء من الأمر حتى وصل إليهم محمذ بن سيد احمد حبواً وبعد لأي، وهم الذين لم يعرفوه إلا بصعوبة حين عرفه صلاح برجليه وهو لم يستطع أن يعرفهم بنفسه وبالأحرى أن يخبرهم عن الآخرين الذين بقوا ينزفون في الشمس.. ليبلغهم الخبر بعد ذلك ويدركوهم على قيد الحياة دون تدخل من الحاضرين، كما يصور القصة الكاتبان الأخيران.. على أننا ونحن نورد الراوية كما هي مثبتة لدينا، لسنا نقلل من شأن وفضل بني حبيب الله بن محمذن بن المعزوز.
15) كما نستغرب ما ذهب اليه من أن أهل أبابك يشرعون في القسامة على أحمد محمود على أساس أنه متهم بقتل قريعهم أحمدو النه ثم يقتلون محمود فال غير المتهم.. وأغرب من ذلك كله ما تواطأ عليه أحمدو بن عبد الله ومحمودا وبعض المعلقين من "قصة القربة".. ولنا هنا أن نتساءل: ماذا يريد محمود فال بضرب أو قتل محمذ بن سيد احمد بعد فاجعة المنجاع التي قتل فيها قريع القوم أحمدو بن النه وسقط فيها أبناء محمد بن الأمين الثلاثة، ما جعل أمهم فاطم بنت الخالص تقول: ما أشد علي ما فعل عبيد أبي بأولادي.
16) لعل من المفيد هنا أن نشير للقارئ المنصف المتأمل الذي يريد الحقيقة والحقيقة فقط، إلى أن فاطم هذه أمها بيكه بنت اعبيدي شقيقة محمود فال التي تقاربه في السن، ومن يمعن النظر في سن محمود فال بعد ما وقع لبني بنت أخته--وهم رجال-- لايصدق  هجومه على محمذ الذي لا تبعد سنه من سن أبناء بنت شقيقة محمود فال، ويذكرون أنه ربط القربة وطرح البندقية وأخذ فأسا ونزع نصلها وضرب بعمودها مهاجِمه فلِمَ يعطيه مهاجِمه هذه المهلة كلها دون أن يمسه (سبحانك هذا بهتان عظيم) "
(يكلعك كذبه مطول كرتك ما اتكولُ كاع اماهْ محمذن ول سيد احمد ما اكتل محمود فال كانها اتعود اكصر كرَّ اشوي".). 
إن هذه وحدها تلقي بضباب من الشك حول ما تنسجه تلك الجهة حول ما بات يعرف بـ"النازلة التندغية".
17) أما ما ذكره الكاتب الأخير من قلة وكثرة ومحاولة بسط نفوذ وسيطرة وتحرر من تلك الحالة فلا أراه إلا ضربا من وحي الخيال اتخذه صاحبه قاعدة مسلمة ليبني عليها ما بعدها كما فعل سلفه مع اركاكنة وإدكفوديه إذ صبغهما بصبغة تنافسية على زعامة تندغه الغربية ولكن "هيهات هيهات ليس الأمر ما وصفا"، و"خير الكلام ما قل ودل"، و"ليقس ما لم يقل".  
18) أما استدلال الأستاذ محمودا بمخاطبة جده كثيرا بني مالك قاصدا جماعة الأخوال أهل آبيري، حسب زعمه، فنحن نقول: الله أعلم بمراد الشاعر ورغم أننا لا نكذب ذلك أبدا لأنهم أبناء بنات مالك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح ابن أخت القوم منهم فكيف بابن أخوات، نرى أن من قال إن أبناء آبيري من بني مالك لم يكذب البتة لأنهم أخوالهم بلا خلاف، ولكنها خؤولة تذكرنا في كثير من الأوقات خؤولة ابن ضمرة أو غسان بن وعلة من بني سعد التي يقول فيها:
إذا كنت في سعد وأمك منهم
شطيرا فلا يغررك خالك من سعد
فإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه
إذا لم يزاحم خاله بأب جلد
19) ولو كنا ممن يحبون الإطالة أو يعجبون بها لجلبنا ما تنوء به هذه الصفحة من متون وحواش في الحديث والتفسير والأصول والفروع والأدب نظما ونثرا مدحا وهجاء وفخرا إلى غير ذلك من الأغراض.. وإنما نريد الدفاع عن أعراضنا ضد هجمة شرسة استهدفتنا منذ أربعة عقود تقريبا تجاهلناها حين كانت حبرا على ورق وتعرضنا لها اليوم دفاعا لا هجوما ليرى المنصفون الذين يميزون الحق من الباطل والخبيث من الطيب ما يراد طمسه من حقائق الأمور ولا نريد الإساءة ولا إقناع من يصر على الكذب أو تميل به عواطفه إلى زيد أو عمرو.
إنا لقوم أبت أخلاقنا كرما    أن نبتدي بالأذى من ليس يوذينا ...
إن الحق لا يخفى على ذي بصيرة   وإن هو لم يعدم خلاف المعاند
عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه و "والله عزيز ذو انتقام"
كتبه الأستاذ محمدسالم ولد جمال

اكتب تعليقاً

أحدث أقدم