بسم الله الرحمن الرحيم 


اطلعت في بعض مواقع التواصل الإجتماعي على منشور ثقافي علمي للأستاذ المصطفى محمدن العالم تعليقاً منه على منشورٍ آخر للمدون الباحث المؤرخ المحقق x ولد x y يتعلق بما سماه النازلة التندغية التي هي عبارة عن المشاجرات و المحاكمات و الخصومات العلمية بين أشياخ من علماء تندغة في القرن 13 هجري في ما شجر بين مجموعتي أهل آبيري و أهل أبابك المالكيتين و التي جرّٓت إلى خلاف مرٍ وقع بين مجموعتي الركاكنة و إدگفودية خاصة أهل مختار الله و أهل أعمر أگد بيجة منهما .

و قد أعجبني سرد ولد العالم و تلخيصه للأسباب المباشرة لتلك المشاجرة بين الحيين المالكيين و أعجبني قبل ذلك تأكيده على أن تلك الوقائع التاريخية التي حدثت آنذاك تحتاج إلى كثير من الموضوعية و التحقيق و التحري عند بحثها و أعجبني تنبيهه إلى أنها لم توثق توثيقا تاما و أكثر ما يقال فيها روايات للأطراف المعنية ينقصها الكثير من الحيادية و التدقيق و أنا أرى زيادة على ما قال أن أحرى الناس بأن يكون حياديا فيها باحثا عن الحق وحده هو العلامة محنض بابه ولد اعبيد الديماني القاضي المحكم فيها حينئذ ثم يأتي من بعده المدون الباحث المحقق إكس ولد إكس إگرگ فلا ينبغي أن يتهما فيما كتبا عنها لا أولا ولا أخيرا و قد نبه الأستاذ ولد العالم إلى علمية و ثقة المدون المذكور و أثنى عليه كثيراً في ذلك .

و أحببت أن أعلق تعليقا بسيطا على بعض النقاط التي فمهت من كلام ابن العالم أنه يريد التركيز عليها و إظهارها حقائق لا خلاف فيها 

•أولاها :
أن مجموعتي الركاكنة و إدگفودية كانتا تتنازعان القيادة في تندغة الغربية و أن كفة الركاكنة كانت بقيادة أهل مختار الله و أن كفة إدگفودية كانت بقيادة أهل أعمر أگد بيجة و أن الأرجحية كانت قبل ظهور لمرابط ولد متالي إلى جانب كفة الركاكنة و بظهور لمرابط ولد متالي بدأت الأرجحية تتجه إلى كفة إدگفودية هذا ما فهمته من كلام بن العالم 
و هذه النقطة لا أعتقد أنها كما قال ٫ فالثابت تاريخيا أنه لم يكن هناك تنافس بين المجموعتين لا على قيادة تندغة الغربيين و لا في قضية أخرى بل كانتا مجموعتين متجاورتين متآخيتين تربط بينهما مختلف العلاقات .
حقا إنه ظهر على مر الزمن في كلتا المجموعتين رجال كان لهم شأن كبير في قيادة تندغة الغربيين لا على وجه التنافس بين المجموعتين و لكن بسبب الظهور الفردي و الشخصي لأولائك الرجال و كان هذا الظهور مرتبطا بمكانة أولائك الرجال علميا و بما قدموا لمجموعة تندغة الغربية من خدمات في محيط أهل الگبلة عموما و من هؤلاء الرجال نذكر على سبيل المثال لا الحصر محمذن ولد مختار الله الذي كان عالما كبيرا و وجيها نبيلا من أعيان المجتمع أهَله ذلك لأن يتوكل عن تندغة في خلافهم مع مجموعة المدلش في الأحقية بما كانت سفن الأوروبيين التجارية تقدمه من إتاوات لسكان المنطقة و مثله العلامة الطالب مصطف الأبوبكي الذي كان منارة من منارات العلم و الصلاح وجيها في قبائل الزوايا و مكينا عند أمراء الترارزة الحاكمين و الرجلان دفينان في مقبرة ترتلاس الشهيرة و غير هذين الرجلين من أبناء المجموعتين مثلهما كثير و لم نعلم بأي قضية في أي مجال وقع فيها بين المجموعتين تنافس يذكر .

و أذكر هنا أن عامة مجموعة تندغة الغربيين كانت نظريا تعتبر مجموعة إيشوگانن بقيادة آل محم ولد أوبك السادة الزمنيين لها هذا من الناحية النظرية أما من الناحية الفعلية الواقعية فليست لتندغة الغربيين قيادة يتنافسون عليها ثم إن مجموعة تندغة الغربيين تتألف من خمس مجموعات المجموعة الوحيدة من هذه المجموعات التي تنتمي بالنسب و الأصل إلى تندغة اتفاقا هي مجموعة تندغة البيض التي تتألف من إيشوگانن و أهل أبيجة و أهل أعمرنلله و أهل سيد المصطف أما مجموعات الركاكنة و إدگفودية و المالكية و المثلوثة فالأصح أنهم من تندغة حلفا و عصبا فقط لا نسبا و أصلا ثم إن في كل مجموعة من هذه المجموعات الأربع مجموعات أخرى بالحلف و العصب ليست منها أصلا هذا أمر معروف لا خلاف عليه أضف إلى ذلك أن ما حدث بين المجموعتين المالكيتين لم يتجاوز إلى عموم المجموعة المالكية كلها بل بقي بين أسرتي آل سيد أحمد الأبابكيين و أسرة آل احمدتك من أهل آبيري ، و هذا هو السبب الذي جعل العلاقات تظل حسنة بين عموم المالكية فيما بينها، و في ما بينها و بين طرفي النزاع من الركاكنة و إدگفودية و لهذا ظلت أسرة آل سيد أحمد فترة طويلة مع أهل أعمر أگد بيجة و أهل احمدتك مع أهل مختار الله.
ثم إن الخلاف بين المجموعتين (الركاكنة و إدگفودية) لم يشملهم جميعا
بل إننا نجد بعض الركاكنة في طرف إدگفودية و نجد بعض إدگفودية في طرف الركاكنة و خير مثال على ذلك هو أحمد بن مختار الله ( أحمد أبوه) الذي هو شقيق أبوه ولد أبوه قائد الحيش الركوني الذي أغار على أهل أعمر أگد بيجة أحمد هذا كان من صف لمرابط محمذفال ولد متالي و صهره على ابنته خدجة منت لمرابط و في المقابل نجد أحمد بن همر ابن عم محمذفال ولد متالي فقد كان فردا من أفراد الجيش الركوني الذي يقوده أبوه ولد أبوه وبذلك يظهر أن القضية لم تكن تشمل المجموعتين بل هي بين أفراد من هؤلاء و أولئك انضم إلى أولئك الأفراد بعض من المجموعتين و هنا يجب أن نذكر أن من أهم المتوكلين عن جماعة الركاكنة في هذا النزاع العلامة كاشف بن بيبيا الأبوبكية من إدگفودية

• الثانية أن الأستاذ ولد العالم في عرضه لوقائع الأحداث المباشرة لقضية أهل أبابك و أهل أبييري -و مع أنه حاول أن يقدمها كما هي و بكثير من الحياد- يفهم من كلامه أن لمرابط هب تلقائيا إلى نصرة أهل أبابك و مؤازرتهم. و الذي عندنا و تواترت به الروايات و الأخبار الموثوق بها أن سيد أحمد لما سمع بوقعة المنجاع و هو بتيرس اتجه إلى القبلة و قدم إلى لمرابط محمذفال و طلب منه القيام معه لأخذ حقه من أهل آبيري فأعرض عنه لمرابط فأشار إليه بعض الحاضرين بالنزول في حي لمرابط و القدوم بأهله و من فيهم من الجرحى إليه فيكون بذلك داخلا عليه محتميا به ، ففعل و من ثم باشر لمرابط مداواة الجرحى و بدأ بالتشاور مع أعيان تندغة في قضية سيد أحمد، فأقبل إليه و كاتبه كثير من أولئك الأعيان و تشاورا في ما بينهم و كان ممن جاء و حضر إليه أعيان من مجموعة الركاكنة فاتفق المالكيون و معهم الجميع على تحكيم لمرابط ولد متالي في القضية و أن ما حكم به سيقبل به الجميع و كأنه أحس بأن بعض جماعة أهل أعمر بن ييجة (أهل مختار الله ) لديهم تحفظ من ذلك، فضمن من حضر من الأعيان قبولهم و أشهد لمرابط الحاضرين على ذلك .

فحكم في القضية بالصلح بين المجموعتين و إرضاء سيد أحمد و من معه بما يرضى به الزوايا حينئذ من دفع مال جزيل دية للقتيل و من تمكينه ظاهريا من موالي أهل آبيري كما كان يفعل الزوايا فقبل الجميع حكمه بداية و أرسلوا الموالي إليه فتعرض في ذلك ابن عمه أحمد بن همر و استحوذ على الموالي قبل وصولهم إلى لمرابط محمذفال و لكن جماعة أهل أعمر أگد بيجة خلصوهم منه و جر ذلك إلى دخول محمود فال ابن احمدتك على جماعة أهل مختار الله محتميا بهم فحموه و امتنعوا من تنفيذ الصلح فأغاظ ذلك لمرابط و راسلهم في الأمر مدة عام و بعض العام و أرسل في ذلك رسائل إلى جماعة أهل مختار الله و إلى عموم أعيان تندغة الذين حضروا الصلح و شهدوا على التحكيم و ضمنوا تنفيذ الحكم و كان يعنون تلك الرسائل بقوله "السلام على من يجوز السلام عليه من تندغة" معتبرا أن فعلة أهل مختار الله من إيواء محمود فال ابن احمدتك هي من قبيل إيواء الفار بالخربة المنصوص على النهي عنه فاشتبك الخلاف. و كأن لمرابط محمذفال أذن لسيد أحمد و أبناءه بطلب الجاني و الإتيان به و لو عنوة فكانوا يغيرون على جماعة أهل مختار الله لياخذوا الجاني المذكور فوقعت موقعة نبكة آمسادير التي قَتل فيها محمذن ولد سيد أحمد الجاني  بالكيفية المشهورة و في ذلك يقول محمذن ولد سيد أحمد 
أغرنا على ريع المسادر ضحوة• على أهله فانهد ريع المسادر  
فوقع النزاع الشرعي في شأن محمذن ولد سيد أحمد و حكم عليه القاضي محنض باب ولد اعبيد الديماني بالقتل قصاصا فدافع عنه لمرابط محمذفال بأن قتله للجاني كان خطأ يشبه العمد فلم يقبل محنض باب فدافع عنه لمرابط محمذفال بأنه أحد أولياء الدم و أنه صالح عن دمه فلم يوف له فجاز له القتال للأخذ بحقه و أنه لم يفعل إلا مكروها و هو أخذه بحقه بدون إذن الحاكم فقبل محنض باب هذا الدفع و أطلق سراح محمذن ولد سيد أحمد و بذلك انتهت قضية المالكيين بتكافئ الدماء بينهم .

و لكن جماعة أهل مختار الله الذين كانوا يرغبون في قتل ولد سيد أحمد ساءهم إطلاق سراحه و رأو الإغارة على نبكة آمسادير و قتل دخيلهم بين خيامهم تجاوزا على مكانتهم و صح لديهم أن محمذن ولد سيد أحمد في تلك الوقعة كان مدعوما بجماعة أهل أعمر أگد بيجة و أن من وراء كل ذلك يد لمرابط محمذفال ولد متالي فقرروا الإغارة على أهل أعمر أگد بيجة و معاقبة محمذن ولد سيد أحمد بعد إخلاء القاضي لسبيله فكانت وقعة (الدوارة) بتارگة حيث أغار آل مختار الله بقيادة أبوه ولد أبوه على أولاد السالم و كانوا منعزلين عن المحلة فقتلوا المختار ولد السالم و بدأت مشكلة ولد السالم و نزاع الفريقين فيها عند الأمير محمد لحبيب و قاضيه محنض باب ولد اعبيد و بعد المارفعات و إتيان كل فريق بحججه ثبت لدى القاضي أن ولد السالم قتله أحد أفراد مجموعة أهل مختار الله المغيرة و أن لأهل أعمر أگد بيجة الحق بالقسامة على فرد من تلك المجموعة فقبل لمرابط محمذفال بما رأى القاضي و أقسموا خمسين يمينا على محمد عبد الله ولد محمذن ولد مختار الله الملقب بولد ابوه و حكم عليه محنض باب بالقتل قصاصا و رضي الطرفان بالحكم و انقاد المحكوم عليه بالحكم و عند إرادة التنفيذ تدافع أولياء الدم إخوة المقتول تنفيذ الحكم و امتنعوا أخيرا من قتل المقسوم عليه لأسباب تختلف رواية الأطراف فيها مما أدى إلى قبول أحد إخوة القتيل بدية مغلظة عوضا عن الدم فانتهت القضية هذا هو ما وقع في قضية ولد السالم حسب ما ينقل بالتواتر عند الطرفين خلافا لما يوحي به أستاذنا ابن العالم 
• الثالثة الذي يظهر من الرسائل العلمية بين لولي ولد اليعقوبي من جهة و محنض بابه ولد اعبيد و لمرابط محمذفال من جهة أخرى أن العلامة الولي الشريف لولي ولد اليعقوبي رحمه الله لم ير المقتضيات و الحيثيات التي على أساسها حكم محنض بابه بالقسامة في القضية.. لم يرها أساسا مصيباً و إن كان يبدو أنه قبل بمشهوريتها في مذهب مالك و رأى أن خلاف المشهور أصوب و أصلح طاعنا في أحقية القاضي بل و في أحقية الأمير فكان ملخص ما جرى بينه و بين الشيخين خلافا فقهيا لا أكثر و المطلع على تلك المراسلات بين الشيوخ الثلاثة يعرف علو جناب الجميع و سعة اطلاعهم على مدونات الفقه المالكي بل وغيره و مع ذلك يطلع على حدة التراشق بينهم و الله يغفر لهم 
فاعتقادنا أنهم ما كتبوا ما كتبوا إلا نصرة للحق و إظهارا له و دفاعا عنه و هم معذورون فيما يرمي به بعضهم بعضا إلى حد التبديع و الاتهام بالإفساد بين الناس و الانحياز للباطل...إلخ
و لهم من سلف الأمة الصالح في ذلك أسوة غير أني رأيت أستاذنا ولد العالم يحاول أن يوحي غير ما مرة من خلال تعليقاته على الرسائل و من خلال بعض تلميحاته إلى اتهام الشيخين محنض بابه و لمرابط محمذفال بالعجز عن مواجهة و دفع ما يقوله العلامة لولي و إلى أن لولي أفحم لمرابط محمذفال بما كتبه إليه في رسائله و هنا يكفيني من التعليق على ذلك أن ينظر القارئ الرسائل بفحص دقيق ثم يحكم بما يتبين له و الرسائل متاحة لجميع من يريدها فقد أورد أستاذنا ولد العالم في مدونته جزءا منها و الباقي منها متوفر لمن أراد في عين هذه القضية و في قضايا علمية أخرى منها لغوي و ثقافي و أدبي 

• الرابعة : إن مكانة الوالد لمرابط محمذفال ابن متالي و مكانته العلمية و الاجتماعية في تندغة و في المنطقة كلها أمر لا يتطلب كثيرا من الأدلة و البراهين فهو رحمة الله عليه معروف على الساحة و قد سلم له علماء الزوايا في البلاد من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها و اعترفوا له بسعة العلم و الاطلاع و اعتبروه في حياته و بعد مماته مرجعاً ينتهي إليه القول و بحكمه تنتهي النزاعات و ما أتيت بهذا التعليق هنا دفاعا عنه أو ردا لما قد يصمه به واصم و إنما علقت بهذا التعليق إظهارا للحق و إدلاءً بما أعلمه في القضايا المذكورة و لو كنت أريد الدفاع عنه لفعلت حين وقفت على ترجمته التي حررها بعض الأساتذة في مذكرة علمية كتبها لمنهاج السنة الأخيرة من التعليم الثانوي (شعبة الآداب الأصلية) و التي يفهم منها كثير من التحامل على الوالد و محاولة الغض من مكانته العلمية و الاجتماعية

والله ولي التوفيق (يقص الحق وهو خير الفاصلين)

المصطفى ولد حبيب ولد متالي شيخ محظرة أهل متالي 

اكتب تعليقاً

أحدث أقدم