مقتطف من البحث : القضاء والنوازل في بلاد شنقيط :محنض باب بن اعبيد و لمرابط محمذن فال ولد متالي رحمهما الله


الفصل الثالث: محمذن فال بن متال ومراعاة الخلاف

المبحث الأول: محمذن فال بن متالي الفقيه

يعتبر العلامة محمذن فال بن متال ممن ساهموا مساهمة حية في إثراء الفقه الموريتاني وذلك لماله من موسوعية علمية تميزه عن غيره ويقول محمد فال ولد عبد اللطيف[168] إن ذلك يعود إلى أسباب أجملها فيما يلي:
- تمكن الرجل اللغوي فهو كان على دراية فائقة باللغة العربية
- قوة مدركه في الفقه وسعة خياله المعرفي
- معرفته الزائدة بأصول الفقه وقواعده
ولكن المهم عندنا الآن هو أن نعرف أثر هذه الموسوعية في فقهه وسنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب.

المطلب الأول: شخصية محمذن فال بن متالي العلمية ومكانته الاجتماعية.

سنبدأ هذه الترجمة بذلك التعريف المقتضب الذي كتبه محمد محفوظ ولد أحمد المجلسي حيث قال عنه محمذن فال بن متالي بإعجام الدال، هو نادرة زمانه في العلم والصلاح كان مدرسا ومؤلفا ومرشدا عمت شهرته الآفاق وتتلمذ عليه كثيرون وله عدة مؤلفات عاش بمنطقة "القبلة" وتوفي 1287هـ[169].

أما التعريف الثاني فهو مختصر ولكنه أكثر تعريفا بهذا العلم الراسخ والطود الشامخ، هو العالم العلامة والبحرالفهامة وحيد زمانه وفريد أقرانه جمع بين الشريعة والحقيقة اشتهر بالصلاح والعلم والورع.

أما اسمه محمذن فال بن متالي من محمذن بن أحمد بن أعمر بن ابيج بن بيج بن فودي وهذا الأخير هو الجد الجامع لبطن إيدكفودي الذي ينتمي إلى قبيلة تندغة عن طريق التحالف القبلي ويتصل نسب "فودي" بأحد الشرفاء الأدارسة وهو محمد الملقب بأبي بزول[170] وأمه جليت بنت محمدن بن حابيب بن الحيوية تجتمع مع أبيه متالي عند جدهما أبيج يلقب محمذن فال هذا بمتالي ولد سنة 1205ه 1790م وقد نشأ وترعرع في أسرة عريقة في الصلاح والتقوى فوالده متالي تحكى عنه حكايات خارقة تدل على صلاحه.

وقد أرسلته والدته رفقة ابن خالته "أمغر" بن حبيب اليحوي إلى احد علماء المنطقة وهو المؤيد بن مصيوب الكمليلي ليدرس عليه ثم عاد من عنده إلى أحمد بن العاقل الأبهمي الديماني ليستعير منه كتاب الكوكب الصاطع في الأصول فأعاره إياه ولا يعرف له من الأشياخ إلا المؤيد بن مصيوب الآنف الذكر.

وأكثر المتحدثين عنه من الكتاب والمؤرخين يذكرون أنه فتح عليه وهو صغير السن.

عاصر علماء أجلاء ودخل معهم مساجلات فقهية رائعة لما خلفته من إثراء الساحة الفكرية والعلمية تلك الأيام مما ينبئ عن تفوق جيل الأمس في العلم ودماثة أخلاقهم، وتمسكهم بالحق ومن أهم هؤلاء العلماء لمجيدري ولد حبل ولول بن اليعقوبي وحرمه ولد عبد الجليل ومحنض باب ولد أعبيد كما مر معنا سابقا.

يتمتع ولد متالي بصيت ذائع وسمعة طيبة واحترام من طرف الجميع وخاصة قبائل الزوايا، وقبائل بني حسان الحاكم باترارزة اعتنق الطريقة الشاذلية في التصوف وأخذها عنه خلق كثير هدى الله به جمعا غفيرا من البشر أما تلامذته فمن أشهرهم المختار بن ألما الديماني اليداجي وعبد الله بن مختارنا الحاجي وأحمد بن المختار المالكي التندقي والطبيب أوفى بن أبي بكر الألفغي.

ومن أشهر مؤلفاته نظم الشهداء

- نظم فيه شهداء جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
- النصيحة أو الوصية وهي نظم في التصوف
- الجميل بسعادة المحيا والمماة
- الظل المدود وهو نظم مع شرحه للرد على المعتزلة وتقسيمهم صفات المعاني
- صلاح الآخرة والدنيا في تفسير القرآن
- نظم الأخلاق في السيرة النبوية
- تسديد النظر في المنطق شرح به مختصر السنوسي
- فتح الحق، وغيرها كثير

توفي رحمه الله سنة 1287هـ 1896م وقد دفن بالمقبرة المشهورة ب"انوعمرت" الواقعة جنوب شرق انواكشوط على بعد 60 كلم[174].

أما مكانته الاجتماعية فللحديث عنها يكفي شاهدا مراجعة النازلة التندغية بمختلف حيثياتها وخاصة تلك الرسائل التي تبادلها مع محمد لولي اليعقوبي ومحنض باب ولد اعبيد فيها إذ نلاحظ أن ابن متالي كان يتكلم فيها وكأنه مفوض من طرف مجتمعهم له صلاحيات واسعة ويرى ابن عبد اللطيف أن ذلك كله عائد إلى احترام الجميع للرجل وذلك لمكانته العلمية الفذة[175] والدليل على ما قدمنا ما سنراه قريبا عندما نصل إلى نماذج من فتاويه أو تحكيماته.

اكتب تعليقاً

أحدث أقدم